ضابط الفرق بين أهل السنة ومخالفيهم في حديث الافتراق


بسم الله الرحمن الرحيم

هذا تلخيصٌ لبحث الدكتور عبد الله القرني : ضابط الفرق بين أهل السنة ومخالفيهم  في حديث الافتراق ..

1- إذا كان كل تفرقٍ في الدين فلا بد أن يكون عن اختلاف فإنه ليس كل اختلاف يلزم منه التفرق في الدين. فوصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفرق من التفرق لا يلزم من مجرد الاختلاف. فقد صحت نسبة الاختلاف إلى الصحابة لكن لا تصح نسبة التفرق إليهم. وكذا الأئمة الأربعة وأئمة السلف من بعدهم.
2- الالتزام بهدي السلف هو الالتزام بما أجمعوا عليه وهو يشمل: إجماعهم في مصدر التلقي بالتسليم المطلق وما أجمعوا عليه في أصول الاعتقاد، وكل طائفة نُظر إلى انحرافها من جهة ما خالفت فيه إجماع السلف فلابد أن يكون الانحراف في مصدر التلقي ثابتًا لها، وهو حكم لا ينخرم في جميع الفرق المخالفة لأهل السنة.
3- أن اختلاف الصحابة و أئمة السلف الصالح داخل في عموم اعتبار هديهم، وليس الاعتبار فقط فيما أجمعوا عليه. فما أجمعوا عليه قطعًا هو الحق، وما اختلفوا فيه فلا يخرج الحق عن هذا الاختلاف، فوجب في الحالتين ابتاعهم، وإلا لوسع الخروج عليهم في الاتفاق كما وسع في حال اختلافهم. قال الإمام أحمد: ( يلزم من قال يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا أن يخرج من أقاويلهم إذا اجتمعوا ).
4- فهم السلف ليس أمرًا مستقلاً عن دلالات النصوص وإنما هو المعيار الحقيقي لفهم النصوص، وإن كان اللسان العربي يفهم دلالات اللفظ على المعنى.
5- الفرق بين ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم  وبين ما يكون من النوازل بعد عصرهم هو من قبيل الفرق بين تنقيح المناط وتحقيق المناط.فمعرفتهم للدليل وما يدل عليه لا يلزم أن يعرفوا تفاصيل ما قد يكون من الوقائع والنوازل مستقبلاً المنطبقة على هذا الدليل ودلالاته. لهذا نجد من العلماء من يحكم في بعض المسائل التي لم تكن حادثة في زمن الصحابة ويحكون إجماع الصحابة فيها لما يعلمون من فقههم وما يلزم ضرورة من علمهم بهذه المسائل، كما نسب عمرو بن دينار القول بأن القرآن منزل غير مخلوق إلى الصحابة، وكما نسب الشافعي إجماع الصحابة على أن العمل من الإيمان.
6- مستند اعتبار الإجماع في التمييز بين أهل السنة ومخالفيهم أن الخلاف بينهم لا يعدو أن يكون فيما أجمع عليه السلف وإما أن يكون دونه، فإن كان فيما أجمع عليه السلف فلاشك أن مخالفتهم توجب الفرقة وأن يكونوا على باطل. وإن كان فيما دون ما أجمعوا عليه فالفرقة ومفارقة جماعة المسلمين لا تحصل بمجرد ذلك، والدليل عليه أن السلف وقع بينهم خلاف دون أن يوجب تفرقة بينهم.
7- اختلاف العلماء في معنى ( الجماعة ) الوارد في حديث الافتراق ليس من باب اختلاف التضاد بل هو من اختلاف التنوع، بذكر ما يُميز وصف الجماعة.
8- الإمام الشاطبي رحمه الله استوعب الأقوال في شرح معنى ( الجماعة ) الواردة في حديث الافتراق وأرجعها إلى خمسة أقوال: 1-السواد الأعظم من أهل الإسلام، 2- جماعة أئمة العلماء المجتهدين، 3-الصحابة، 4-جماعة أهل الإسلام، 5- جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير. وهذه الأقوال ترجع إلى أحد معنيين: الأول إلى معنى الإجماع الذي أجمعت عليه الأمة، الثاني لزوم جماعة المسلمين في طاعتهم لإمامهم.
9- الأصل في كل مسلم أنه من أهل السنة والجماعة حتى يثبت في حقه ما يقتضي الحكم بشذوذه عن هذا الأصل. وهذا ما يفيده تفسير الجماعة الوارد في الحديث بالسواد الأعظم وجماعة أهل الإسلام.
10- استشكل بعض العلماء في حديث الافتراق أن الفرقة الناجية ليست إلا طائفة قليلة العدد نسبتها كنسبة الفرقة الواحدة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهو معنى لا يستقيم على تفسير الجماعة بالسواد الأعظم أو جماعة المسلمين. وهذا الاستشكال لعله هو الذي حمل ابن حزم على القول بأن الحديث لا يصح، وتبعه ابن الوزير على ذلك. ومع تلقي الأئمة والعلماء حديث الافتراق بالقبول إلا أن الشاطبي رحمه الله وجّه معنى الجماعة بالسواد الأعظم أنه مرتبط بكونهم ملتزمين بالإجماع وجعل من سوى الأئمة من الأتباع داخلون في حكمهم لأنهم تابعون ومقتدون بهم إلا من شذ عنهم.
11-  من الإشكالات الباطلة التي قد ترد أنّ بعض علماء الأمة وقع في البدعة، فيكون قوله معتبرًا من جهة كونه عالمًا وغير معتبر من جهة كونه قد خالف الإجماع، فيحصل التناقض. وقد أجب الشاطبي على هذا الإشكال بما حاصله أن البدعة قد أخرجته عن أن يُعتدّ بقوله، لأنه ببدعته قد خالف الإجماع، كبعض العلماء الذين وقعوا في تأويل بعض الصفات فلا يكون قولهم ناقضًا للإجماع الذي كان عليه السلف الصالح في نصوص الصفات، ولا يعد خلافهم خلافًا معتبر . ويبقى النظر في المجتهد المبتدع هل يُقبل خلافه في غير بدعته لأصل إسلامه أم يقدح فيه، وبعضهم فرق بين الداعية لبدعته وغير الداعية.
12-   في تفسير ( الجماعة ) بجماعة أهل الإسلام هو من جهة إجماع علمائهم الذي هو إجماع لأتباعهم، ولهذا أرجع الشاطبي هذا التفسير إلى المعنى الأول وهو السواد الأعظم.
13-   لا يمكن أن يُحكم بكفر الفرق المخالفة لمجرد أن تفسير الجماعة بجماعة أهل الإسلام جاء في مقابل الملل المخالفة للإسلام وأصل الديانة، وإلا لما كان للأقوال الأخرى قيمة، فوجب ترادف تفسير ( جماعة أهل الإسلام ) بتفسير ( السواد الأعظم )، علاوة على أنّ أحدًا لم يقله من العلماء المشهود لهم.
14-   ومما يدفع الاستشكال السابق أن ظاهر حديث الافتراق يدفع تكفير الفرق الهالكة، كما يدفع دخولها جميًعا في معنى الجماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم من أمته وما حصل من تلك الفرق لم يبلغ بمجموعه خروجهم من الإسلام إلى الكفر، ولهذا يقول الخطابي: ( فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجة من الدين، إذ قد جعلهم النبي من أمته )، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة ، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ، وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات ).
        15- تبين أن معنى الجماعة لا يخرج عن معنيين: إما أن يكون لزوم جماعة المسلمين وإجماعهم، وإما أن يكون لزوم طاعة إمام المسلمين. والمعنى الأول لازم للمسلم في كل وقت وكل حين، والثاني قد ينفصل عن حال بعض المسلمين كما استشكله حذيفة رضي الله عنه في سؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام.

والله أعلم