تاريخ الأفكار .. قراءة معرفية ( شرعية)





هذا تفريغ لمحاضرة ألقيتها في نادي حائل الأدبي الثقافي بعنوان:

تاريخ الأفكار .. قراءة معرفية

يوم الأربعاء 11/ 3 / 1439هـ
الموافق
29/ 11 / 2017م



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بادئ ذي بدء – أيها الإخوة -، أتقدم بالشكر الجزيل للنادي الأدبي حائل، رئيسا وأعضاء، على استضافة هذا اللقاء، كما أتقدم بالشكر الجزيل للجميع، بأن منحوني هذا الوقت لاستماع لهذه المحاضرة التي أراها من العناوين المهمة في هذا الوقت.

        حتى لا يذهب علينا الوقت، لعلي أبدأ بالسؤال، وهو: لماذا هذا الموضوع؟ الجواب هو أني أعتبر هذا الموضوع: تاريخ الأفكار هو أحد أُسُس ولبنات الوعي المعرفي، إذ لا يمكن أن يكون هناك وعي دون أن نعرف تاريخ الأفكار وتاريخ العلوم، بل وتاريخ الأخلاق والمبادئ التي يسير عليها الإنسان، سواء داخل دائرة الإسلام، أو الأفكار أو المبادئ التي جاءت أو سار عليها الإنسان قبل الإسلام، وعززها الإسلام.
        لهذا، أعتبر أنَّ مثل هذا اللقاء هو ما ينبغي أن يكون ضمن عشرات بل مئات المحاولات من ندوات ولقاءات وورش العمل حول هذا الموضوع. وإذا عرفنا أن تاريخ الأفكار اليوم أصبح من التخصصات النادرة في الدول المتقدمة، به ندرك حقيقة أهمية مثل هذا الموضوع.
        سأتجاوز بالحديث – لضيق الوقت – الوقوف على مصطلحات هذا الموضوع؛ كتعريف التاريخ، وتاريخ الأفكار والفكرة ونحوها، وسأدخل في الموضوع مباشرة.

        قراءة التاريخ تمر عبر مدارس واتجاهات، هي أشبه بالأوعية المنهجية لتطبيق القراءة التاريخية لكل تاريخ، وقد رسم الغرب ملامح هذه المناهج بوضوح في العصور الحديثة كالتفسير المادي والتفسير الديني للتاريخ، والسبق هو للمسلمين في هذا، حيث رسم ابن خلدون منهج تفسير التاريخ الاجتماعي لتاريخ الأمم والشعوب والحضارات.

        في العصور الأخيرة الحديثة، نستطيع أن نقول أوروبا أو الفكر الأوروبي هذب هذه المدارس، وهذا علم لوحده أي: معرفة هذه المدارس؛ علم لوحده. ولكن، لا يعني أن الإسلام لم يَسبق الغرب، بدءًا من الطبري إلى ابن خلدون، ويعتبر ابن خلدون هو الذي أوجد طريقا محكما في دراسة وقراءة تاريخ الأفكار والمجتمعات والعقائد والمبادئ، جمع فيها بين القراءة الحوارية، وبين القراءة الاجتماعية، وبين القراءة التي تهتم بذات الإنسان، وتكوينه وبيئته.

        لهذا – أيها الإخوة –سأكتفي في هذه النصف ساعة، بدراسة تاريخ الأفكار المتعلقة بالدين، والمبادئ العقدية والأخلاق الدينية. لن أتناول قضية القراءة التاريخ التي تمس السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو النواة أو التكوين الاجتماعي للمجتمعات. لأنه من المعلوم أن كل اتجاه تاريخي يرتبط بمجموعة من الأفكار المشتركة. وأنا أريد في حديثي اليوم، أن أتكلم عن مجموع تاريخ الأفكار المتعلقة بالعقيدة والمبادئ الدينية. 

سأذكر خمسة مداخل بشكل سريع، هي مضمون هذا اللقاء. كل مدخل يستحق أن يفرد بلقاء، ويفرد بمؤلفات، ويفرد بجلسات كثيرة:
المدخل الأول: نظرية تطور الأفكار: هل إذا قلنا أن الأفكار والمبادئ تتطور بمعنى أنها تتغير إما أن تزيد وإمَّا أن تتبدل بالكلية ونحوها؟ المسلم المتبع لدينه لا يَطرح هذا السؤال من ناحية المبادئ العقدية، لكنه من ناحية الواقع هو موجود، فالخوارج والشيعة، هم من ناحية حقيقتهم يقولون أنهم لم يأتوا بأفكار جديدة، ولم يأتوا بالتطوير للدين الذي نزل على النبي – عليه الصلاة والسلام -، وهذا باطل فمن ناحية عملية ومن ناحية واقعية تجد التغيير الكثير في مبادئهم وأفكارهم والأطروحات التي ذكروها، بينما نجد عندنا اتجاهات داخل الإسلام تدعي التغيير وتدعي تطور الأفكار، وهذه تتمثل في الاتجاهات الفلسفية داخل الإسلام، ومن المعلوم أن الاتجاهات الفلسفية داخل الإسلام، هي – تقريبا – ترجع إلى ثلاث فئات: الاتجاه الفلسفي المحض ويسمى أهل الفلسفة المحضة كابن سينا والفاربي وغيره، وأهل الفلسفة الباطنية وهي الفكرة التي قامت عليها المذاهب الباطنية من الإسماعيلية وغيرهم، والفلسفة الثالثة التي هي داخل دائرة الإسلام هي الفلسفة الصوفية، وهي فلسفة غلاة الصوفية. نستطيع أن نقول أن مجموعة إخوان الصفا قامت على خليط من هذه الفلسفات، فتستطيع أن تمثل بإخوان الصفا أنهم من الفلسفة الباطنية، وتستطيع أن تقول الفلسفة الصوفية، وتستطيع أن تقول أنهم يعتمدون على الفلسفة المحضة.
        هؤلاء عندهم الأفكار تتطور والأفكار تتغير، وهم يعتقدون أن هذه الأفكار لم يأت بها النبي – عليه الصلاة والسلام – لكن هم داخل هذه الدائرة يعتبرون أنهم – يعني – داخل دائرة مسموح فيها التطور.
        إذا خرجنا عن خارج الفكر الإسلامي، نجد أن الفكرة هي موجودة عند الغرب، خصوصا بعد ظهور نظرية دارون، فإذا كان دارون أتى بنظرية النشوء والارتقاء في الكائنات الحية، فنظرية تطور الأفكار موجودة عند علماء الاجتماع، وقد قررها جمع من الفلاسفة المتأخرين الغربيين أو من الدارسين في علم الاجتماع كذلك، حتى درسوا بواعث التديُّن، قالوا: إن العقل يحتاج إلى أن يكون الدين متطور وهكذا. ولا نريد أن نطيل، يكفي في هذا الموضوع أن نشير إشارة فقط إلى ارتباط فكرة تطور الأفكار بنظرية دارون.
المدخل الثاني : هو تاريخ الأفكار داخل دائرة الإسلام: يعني يحتاج الإنسان أن يتأمل وينظر منذ أن بُعث النبي – عليه الصلاة والسلام – أو منذ أن هاجر ثم توفي واستقر الإسلام وانقطع الوحي، إلى يومنا هذا، ينظر نظرة سريعة إلى التيارات والأفكار التي ظهرت في تاريخ المسلمين إلى يومنا هذا.
-             وأنا أتكلم في الفكرة أريد بها هي الفكرة المرادفة للمعلومة أو الفكرة المرادفة للمنهج أريد بالفكرة المعنى الأشمل من الحد الأدنى لها.-
 نجد أن الإسلام أول ما ظهرت فيه الفرق المخالفة، أو التي شطحت عن الدين، نجد أن فكرة الخوارج والتشيع هما أول الأفكار التي ظهرت في القرن الأول. فرق الشيعة والخوارج تشكلت في زمن علي– رضي الله عنه –، لكن كبذرة أساسية وجدت في زمن النبي – عليه الصلاة والسلام -،  والمهتمين بدراسة الفرق يختلفون في البغاة الذين خرجوا على عثمان – رضي الله عنه – هل هؤلاء بغاة أم خوارج؟، والخلاف فيهم أوسع من الخلاف في غيرهم، وأميل إلى أن هؤلاء هم الذين تحولوا إلى الخوارج بعد مقتل عثمان، وأصبحوا من الخوارج. ولذلك أحد المستشرقين الألمان، قال: "إن الخوارج والشيعة – يقصد بالشيعة: السبئية؛ لأن عبد الله بن سبأ، وهو من يهود اليمن، جاء في زمن عثمان وأسلم في زمن عثمان، ودخل الحجاز ثم أٌخرج من الحجاز – حاول هذا المستشرق أن يربط بين الخوارج والسبأية – اللذين هم الشيعة – أنهم في زمن عثمان على مشترك واحد، وأنهم كلهم كانوا ضد عثمان. فلما قتل عثمان – رضي الله عنه – اختلف المبدأ لديهم، فأصبح الشيعة السبأية يغلون في علي، وأصبح الخوارج يقاتلون عليا"، ولذلك ألف كتابا في هذا.
        إذا نظرنا إلى هذا التاريخ، نجد أن منتصف القرن الأول ظهرت فيه هاتان الفرقتان الغاليتان؛ الخوارج والشيعة. وفي نهاية عصر الصحابة يعني بعد مقتل علي– رضي الله عنه – وتولي معاوية، في أواخر عصر الصحابة، ظهرت فرقة القدرية، هذه الفكرة القدرية، سنأتي عليها وعلى نشوئها. لكن ظهرت القدرية وتلتها الجبرية، وكلتا الفكرتين ظهرتا في أواخر زمن الصحابة، ومشهورٌ أن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – كفَّر هذه الفرقة كما هو الحديث المشهور في الصحيح؛ لأن هذه الفرقة أتت بمقالة لا يقر بها أحد من أهل الإسلام، فظهرت لدينا يعني المقالة الغالية الأخرى وهي فكرة القول بالقدر، وعكسه القول بالجبر. ثم بعد أواخر عصر الصحابة وفي عصر التابعين، بداية عصر التابعين وازدهار التابعين، ظهرت مقالة الإرجاء، وتدور فكرة مقالة الإرجاء على إخراج العمل من الإيمان، وهذا إحداث؛ بمعنى يكفي من الحكم على الإسلام – إسلام الشخص – هو الاعتقاد دون العمل، وهذه الفكرة أحدثت ردة فعل؛ كما سنشير إليها – إن شاء الله.
        ثم بعد ذلك انتهى القرن الأول، وقد اكتملت الأفكار خارجة عن الإسلام متباينة، بعضها الغلو، وبعضها التفريط، إذا قلنا الغلو والتطرف في مقابل التفريط، فيمثل الغلو في القرن الأول الخوارج والشيعة السبأية على وجه التخصيص، وفي التفريط والانحلال، نرى مقالة الجبرية والإرجاء تميل إلى هذا الأمر. فانتهى هذا القرن وظهرت فيه أفكار غالية متطرفة، وأفكار منحلة مفرطة.
        بدأ القرن الثاني كذلك لا زالت الأفكار تظهر على سطح الفكر الإسلامي، أو الاعتقاد الإسلامي، ظهرت لدينا مقالة الجهمية في بداية القرن الثاني، وكان هذا بداية لتلقي الفلسفة، كان أول من أتى بمثل هذا الأمور الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، وسبب هذا الأمر هو احتكاكهم بالفرق الشرقية، وكما هو مشهور عن جهم بن صفوان لما ناظر السُّمنية، كان يناظرهم ليدخلوا الإسلام وليؤمنوا بالله، فهم قوم لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، قالوا: ما لون ربك؟ ما شكل ربك؟ ما حجمه؟ ثم تحيّر من هذه الأسئلة لأنه أدخل نفسه في أمور لم يتأصل بها، فأخذ يدرس في مسألة الصفات، فتلقى الكلام الفلسفي إلى أن خاض في المقالات المشهورة بالمقالات الجهمية.
        تقريبا استمر هذا التطور والتغير في الأفكار حتى ظهرت المعتزلة، يعني انتهى القرن الثاني تماما واكتملت فيه الانحرافات الفكرية في مسألة العمل في الإيمان، في مسألة توحيد الربوبية، والخوض في الإلهيات، والخوض في القدر والخوض في صفات الله  عز وجل.
        وهكذا استمرت في القرن الثالث، لما جاء نهاية القرن الثالث، ظهر الانحراف في توحيد الألوهية جليًّا، وسبب الانحراف هو ظهور الفاطميين وكذلك السبعيين لما غلوا في أهل البيت. فغلو السبئيين في أهل البيت ومجيء الفاطميين، كان هذا هو سبب الانحراف في توحيد العبادة.
لأنه في القرن الأول والثاني، ما كان المسلمون يعرفون تعظيم المشاهد والقبور والطواف عليها، أو الاعتقاد أن الموتى يتصرفون بعد موتهم بأحوال الأحياء.
        تقريبا هذه نظرة سريعة للقرون الثلاثة الأولى للأفكار التي طرأت إليها، ما بين أفكار غالية وما بين أفكار منحلة مفرطة.
        حاول من يقرأ التاريخ من أهل العصور المتأخرة، حاول أن يفسر التفسير السياسي لكل هذه الأفكار، فيرى أن مذهب الإرجاء ليس إلا حركة سياسية من بني أمية، وهذا قال به بعض المؤرخين العرب مثل محمد بن عبد الجابري، بل يرى فهمي جدعان هذا الموجود الآن، وهو أحد من يتبنى هذا الفكر، وأن هذه الحركات ليست إلا حركات سياسية؛ يرى أن الإمام أحمد – مثلا – في منازعته للخليفة العباسي، يرى أنه ليس إلا رجل ثائر وناقم على السلطة فقط، وليست مناظرة الإمام أحمد مع الخليفة ومدافعته عن مسألة هي من أصول توحيد الأسماء والصفات، وهي صفة الكلام لله – عز وجل -، والكلام في ذات الإله، والخوض في الإلهيات، هذا المبدأ يرى مثل هؤلاء أن الإمام أحمد ما خاضه إلا عنادا للسياسة فقط، وليس تعزيزا للفكر أو لمرجعية دينية، وليس احتراما للعقل ونحوه، ولذلك يتكلمون بكلام هو تجديف وطعن في حق الإمام أحمد.
        ثم كذلك هذا المستشرق الألماني واسمه فلهاوزن، يرى أن حركة الخوارج والشيعة ليست إلا حركات سياسية دينية، أرادت أن تصل إلى الحكم لكن بصبغة دينية، ولذلك سمى كتابه: الحركات السياسية الدينية في صدر الإسلام، ودرس فيه الخوارج والشيعة على وجه الخصوص.
        إذا نظرنا إلى التاريخ بنظرة إجمالية، نرى أن لكل فعل ردة الفعل، فإذا نظرنا إلى تاريخ التشيع، غلو الشيعة في أهل البيت وما حصل لهم، نجد أنه حصل هناك ردة فعل فكرية، وهي ظهور النواصب، وهي تعظيم بني أمية وتعظيم عثمان وتعظيم معاوية، وهذا لكل فعل ردة فعل. غلو الخوارج في مسألة العمل، وأن العمل مجرد أن ينحصر العمل عن الإيمان، يخرج الإنسان من الإيمان، أظهر ردة الفعل الأخرى هي الإرجاء، وأنه يكفي الاعتقاد دون العمل، ومعنى الإرجاء هو إخراج العمل. كذلك إسراف الجبرية – هؤلاء الذين قالوا في القدر أن الإنسان مجبور في الحياة، فكأنه ريشة في مهب الريح – هؤلاء أسرفوا في نفي القدرة الإنسانية، أظهر ردة فعل أخرى وهي فكرة أخرى مقابلة لها، وهي فكرة المعتزلة القدرية، قالوا: إن إرادة الإنسان كاملة، وإن الله – عز وجل – ليس له قدرة في فعل العبد، والمقصود بفعل العبد؛ الخير والشر، ففعل العبد؛ الخير الشر، وهو مسألة أفعال العباد، قالوا: إن الله ليس له قدرة، فغلو في هذا الجانب مقابل الغلو في نفي القدرة الإنسانية. لو نظرنا إلى ظهور الأشاعرة، ظهور الأشاعرة ليس إلا هو ردة فعل للغلو العقلاني للمعتزلة، وهكذا. هذه – تقريبا – هي مسيرة التباينات الفكرية وتاريخها في القرون الثلاثة الأولى.
المدخل الثالث: هو الأفكار المستوردة: الأفكار المستوردة التي دخلت الإسلام وتبنتها الجماعات والاتجاهات الفكرية داخل الإسلام، فنجد – مثلا – في الشيعة الوصية، والرجعة، والعصمة، هذه – حقيقة – مقالات أتى بها عبد بن سبأ، وأظهرها كان يقول هذه الكلمات في حق علي، وكان يقول: "من زعم أن عيسى سيرجع، وأن محمدا لن يرجع، فقد افترى على الله". وليس قصده ذات محمد، وإنما ما قال هذا الكلام إلا بعد مقتل علي وأنه سيرجع. لهذا مثل هذه المقالات هي موجودة – حقيقة – في الديانة اليهودية.
        لما ننظر – أيضا – إلى القول في القدر، وننظر إلى سيرة معبد الجهني، وهو أول من قال في القدر، وكذلك غيلان الدمشقي – وهما ظهرا في القرن الأول – نجد أنهم تأثروا برجل أو صاحبوا رجلا نصرانيا، والمصاحبة ليست مصاحبة أخوية، بل هي مصاحبة علمية. درسوا على رجل يقال له سيسويه – أو سوسن – وفيه اختلاف في اسمه، نجد أن مسألة القدر، هي من المقالات الموجودة عند النصرانية، أيضا مسألة الإرجاء، هذا الإرجاء موجودة عند النصرانية بشكل أكبر من اليهودية، ولذلك تجد النصوص في الإنجيل تدل على إرجاء العمل، وأن المقصود والمطلوب هو فقط الإيمان بالمسيح كإله.
        أيضا أفكار الباطنية، وهي بلا شك أنها أفكار مستوردة، فنظرية – مثلا – المثل والممثول عند الباطنية، وكذلك نظرية التناسخ، هذه كلها أفكار مستوردة ليست من الإسلام بشيء، دخلت في وقت مبكر في الفكر الباطني. فمثلا نجد التناسخ بأنواعه عند الهندوسية وغيرهم من الديانات الآسيوية تماما هو داخل دائرة الباطنية التي يدّعون الإسلام. كذلك الفلسفة الأفلاطونية – وإن كانت هذه المسألة فيها شيء من الغموض- لأنهم يفسرون الإله بتفسير له ظاهر وباطن، هذه هي حقيقة فكر فيتاغورس، يرى أن الإله له ظاهر وباطن – هذا حقيقته هو كلام الباطنية في الإله، وقسموا الإله على الله وعلى علي ومحمد وسلمان الفارسي، والذين يرون أن روح الإله تمثلت في هؤلاء.
        هذه الأفكار، لا شك أنها أفكار مستوردة لا بد أن نعرف تاريخها من أين أتت، وكيف نشأت، فلا يمكن أن نؤمن بالتناسخ أنه موجود عند الأمم، ونحن نعلم أن هذا التناسخ له تاريخ موجود عند الأمم الوثنية.
        في العصر الحديث، نستطيع أن نقول هناك أفكار إسلامية دخلت داخل دائرة الإسلام، فنجد – مثلا – أن هناك أفكرا إسلامية – يعني – ليست إسلامية محضة، وإنما تلبست بالإسلام. هذه الأفكار تمثل الغلو والتطرف من جهة، وتمثل الانحلال والتفريط من جهة، فجاءتنا الحركات – مثلا – حركة اليمين ويمين اليمين، حركة اليسار ويسار اليسار، وليست فقط كحركة سياسية، لا، بل نجد أن هناك يساريًا إسلاميًا، وهناك يمينيًا إسلاميًا، هذه كلها دخلت داخل دائرة الإسلام، هذه الأفكار مستوردة، وأقرب مثال مثل العصرانية، والعصرانية هي كحركة مقصود بها إعادة تحويل الدين القديم ليتناسب العصر ومعطيات العصر. هذا الفكر كان موجودا في اليهودية، وموجودا في النصرانية قبل الإسلام، لذلك تبناه المسلمون العرب وغير العرب من المسلمين. مثلا من المشهور أنَّ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني تبنَّوا هذا الخط، كما تبنّى هذا الخط العصراني مسلم غير عربي بشكل أشد عنفًا، وهي الطريقة التي تسمى طريقة السيد أحمد خان في الهند وهي موجودة اليوم، لا تزال إلى اليوم.
 والطريقة العصرانية تفسر الدين بالتفسير العصراني، فتتبنّى مدار الإنتاج العصري والقيم العصرية لتفسر به الإسلام.
المدخل الرابع: هو النظرية الموجِّهة للأفكار: إذا أردنا أن نعرف تاريخ الأفكار، الأفكار التي تظهر داخل الإسلام وخارج الإسلام، أو تكون دنيوية بحته، وهناك نظريات تبنى عليها. هذه النظريات تكون هي كالبوصلة التي توجه حركة هذه الأفكار، فمثلا نجد أن نظرية الأنسنة، هذه نظرية الأنسنة، لا يوجد اليوم عربي يتبنى الفكر اللبرالي إلا وهو يقوم على هذه النظرية تماما – وهي جعل الإنسان مدار قيمة الأشياء – قد تسميها فردية، وقد تسميها – أيضا – مجموعة؛ لأنهم ينظرون إلى الإنسان باعتباره فردا، وينظرون إلى الإنسان باعتباره مجموعة من الناس. فالتنظير على هذه القضية، قد تكون في بعض الجوانب إيجابية، لكنها في بعض الجوانب التي تصادم– مثلا –الشرع وتصادم الوحي، لا شك أنها ستكون خاطئة بلا شك. وممن تبنى هذا الخط في العصر الحديثي، نصر أبو زيد، ودافع وبشراس عن هذا المبدأ. وغير أبو زيد كثير.
        عندنا نظرية النسبية، وهي أن الحقائق ما تعطى نسبة الحقيقة كاملة، كما لو أتينا إلى قصة يوسف، أو قصص الأنبياء عموما في القرآن، لا ينبغي – وهو لا ينكرها إجمالا – ويقول إنها تدخل في النظرية النسبية، فلا يمكن أن تكون الأحداث القصصية في القرآن كحقيقة كاملة كما هي ظاهرة في النص أو الظاهرة في الفهم. لذلك، هذه النظريات العلمية التي تبنى عليها اتجاه الأفكار، هي التي قامت عليها المذاهب الفكرية اليوم، لا يوجد مذهب فكري اليوم ولا قبل قرن أو قرنين من الزمان، إلا وقام على النظريات العلمية.
        وإذا تأملنا بشكل أدق، نجد أن خلو الإنسان الغربي من الوحي، وانقطاعهم من الوحي – وحي السماء – لأنه حقيقة الدين النصراني اليوم دين خال من الوحي تماما، دين أشبه ما يكون بالوثنية، فلا يوجد عنده قيم مرتبطة بالوحي، إلا ما يتعارف عليه العقل المجرد الإنساني أن هذا عدل وأن هذا ظلم، لكن كأفكار مرتبطة بالوحي، تجدها خاوية، فاضطروا من علومهم التجريبية أن يستنتجوا النظريات الفكرية، فاستخرجوا من نظرية دارون في تطور الكائنات الحية إلى أن الأفكار تتطور، وكذلك الأديان، وكذلك القيم. واستخرجوا من النظرية النسبية الفيزيائية إلى أن الحقيقة في الأفكار والأديان والمعلومات ليست كاملة الحقيقة. فهذا يدل على خلو الفكر الغربي من الأفكار التي ترتبط بالسماع.
المدخل الخامس: تأثير الأحداث الكبرى على حركة تاريخ الأفكار: تجري أحداث كبرى في تاريخ مجتمع من المجتمعات، وتكون هذه الأحداث سببًا في التحول الفكري، أو تؤثر في نشوء بذرة فكرية تغلو تنمو وتتطور هذه البذرة مع الزمن. فمثلا ما حصل لأهل البيت من مواجهات مع الأمويين كانت سببًا لنشوء الغلو في آل البيت، ولماذا لم يكن مقتل علي رضي الله عنه نقطة تحول أو صدمة للصحابة في مقتل عمر؟!، وكذلك عثمان؟!، وكذلك علي؟!؛ لأن النبي أخبر به – عليه الصلاة والسلام -،وأخبر بأنهم شهداء، ولذلك بعض الصحابة أدرك حقيقة النبوة – يعني كمال حقيقة النبوة – في استشهاد عمر وعثمان وعلي، لكن الغالين في أهل البيت، أصبحت الصدمة لهم قوية في قتل علي – رضي الله عنه – ولذلك صدق بعض هؤلاء ما قاله ابن سبأ من رجوع علي في آخر الزمان، كذلك ما حصل للحسين وما حصل للنفس الزكية في تاريخ أهل البيت، نجد أنهم حصلت لهم مصائب، هذه المصائب كانت سببًا في انتشار التشيع، علاوة على ما هو موجود عند الشيعة الغالية.
كذلك فتنة ابن الأشعث، وهذه الفتنة عظيمة جدا، -يبنغي القراءة فيها والاتعاظ بها- حدثت هذه الفتنة في عهد بني أمية، في عهد عبد الملك بن مروان، حيث كان في الشام، وكان واليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، كان ابن الأشعث – وهو من أهل العلم والفضل – يحيط به مجموعة كبيرة من القراء، وكان من الشجعان والقواد. الخلاصة: أنه خرج على الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم خرج على عبد الملك بن مروان، والعجيب في هذا الأمر أنه تأثر بدعوة ابن الأشعث عظماء التابعين، كسعيد بن جبير، والحسن البصري، وكذلك عامر الشعبي، ومجموعة من التابعين، وتأثر بتأثرهم عامة الناس، حتى قيل إن الحجاج بن يوسف الثقفي قتل أكثر من مائة وثلاثين ألف نفس في هذه الفتنة. هذه الفتنة أحدثت مقالة الإرجاء، وهي السبب الصحيح – فيما أعتقد وأعلم – أنها هي السبب الظاهر في ظهور مقالة الإرجاء، وقد حدثت في سنة ثمانين – تقريبا -؛ لأن الفتنة حدثت من ثمانين إلى ثلاث وثمانين للهجرة. الخلاصة أن فتنة ابن الأشعث كانت سببًا وحدثًا كبيرًا في حركة تاريخ الأفكار ومنها نشأ الإرجاء.
عندنا كذلك، هجوم التتار على بغداد، لما سقطت الخلافة في بغداد، وحدثت هذه الحوادث العظيمة التي ما يصدقها العقل البشري، أصبح الناس يتحدثون عن ظهور علامة الساعة. هذا التحول كبير جدا لما سقطت الخلافة، فلذلك الأحداث العظمى تنقل الإنسان من فكر إلى فكر آخر. كذلك الحملات الصليبية، أيضا سقوط الأندلس، أيضا سقوط الدولة العثمانية، بل أبعد من هذا، ما يحدث اليوم في سوريا والعراق، هي أحداث عظيمة جدا، ولذلك رأينا – مثلا – بعض اللاجئين يتنصر، وإن كانوا واحدا أو اثنين – مثلا -؛ لضعفهم في البلاد الأوروبية، ثق أن خلف هذا اللاجئ الذي تنصر مئات من المسلمين السنة الذين لم يخرجوا من الإسلام، ولكنهم أحبطوا وليس لديهم أي انتعاش فكري داخل الدين، ولكن لا يستطيعون أن يظهروا هذا، فلذلك هذا الامتحان والابتلاء العظيم، يجعل عقل الحليم حيران.
من الأشياء التي تدل على أن التحولات الكبيرة جدا في تاريخ البشرية تؤثر على حركة الأفكار أن هذا الأمر ليس غائبا على دعاة التنصير. جاء في مؤتمر التنصير في ولاية كولورادو سنة 1978م ما نص أحد نتائج المؤتمر، يقول: "لكي يكون هناك التحول من الإسلام إلى المسيحية، فلا بد من وجود أزمات ومشاكل وعوامر تدفع الناس أفرادا وجماعات خارج حالة التوازن التي اعتادوها، وقد تأتي هذه الأمور على شكل العوامل الطبيعية، كالفقر، والمرض، والكوارث، والحروب، وقد تكون معنوية، كبث العنصرية، والتفرقة الاجتماعية، والوضع الاجتماعي المتدني، وفي غياب هذه الأوضاع، لن تكون هناك تحولات إلى المسيحية". فانظر إلى هذا الأمر الفطري الذي يكون في نفس الإنسان، كيف وهو حاضر عند أعداء الملة والدين؟!
المدخل السادس (و الأخير): المؤثرات البيئية والاجتماعية والسياسية في حركة الأفكار: وهذه تكون داخل طريقة التفكير والنظر إلى الأدلة والبراهين في فروع الأفكار، وقد تكون في النظر إلى الأصول. فالإنسان لن ينفك عن هذه المؤثرات تماما، فالمنشأ والبلدة وأبناء العمومة والقرية والبلدة والإقليم المحيط الذي فيه أنت، لا شك أنه مؤثر في طريقة التفكير، فضلا عن أنه مساعد لحركة تبني بعض الأفكار.
        فمثلا مكة والمدينة في القرون الثلاثة الأولى، لم تظهر فيها أي طائفة من الطوائف البدعية، بينما الكوفة كانت منشأ للتشيع والإرجاء، والبصرة كانت منشأ للاعتزال والتصوف، بل يقول الإمام جنيد – وهو أحد أئمة الصوفية الذين مدحهم وأثنى عليهم شيخ الإسلام، وتصوفهم يمثل التصوف السني – وصف الصوفية في بغداد، وخراسان، والبصرة، والحجاز، والشام، هم كلهم صوفية – يعني – أصحاب الفكر الواحد، لكن البيئة تؤثر عليهم. يقول: "أعطي الصوفية في بغداد – أهل الصوفية في بغداد – الشطح والعبارة – يعني هم الذين يشطحون، وهم أشد الصوفية -، وأهل خراسان السخاء والقلب – يعني الأمور القلبية -، وأهل البصرة الزهد، وأهل الشام الحلم والسلامة، وأهل الحجاز الصبر والأناة"، وهذا يدلك على أنهم – وهم جميعهم صوفية يتباينون، ونجد هذا حتى في طائفة الشيعة، نجد أن الشيعة – ولا أريد الدخول في شيعة الخليج تفصيلا، ربما لحساسية الموضوع – ولكن نجد أن شيعة الخليج يمثلون  في أكثرهم اتجاه فكر الإخبارية، ولا يمثلون فكر الأصولية، الأصولية التي جاء بها الخميني، والإخبارية لا يرون القتال، لا يرون المواجهة، لا يرون الشراسة، وهؤلاء يمثلهم شيعة الخليج في الغالب. هذا دليل على أن الإخبارية التي نشأت قبل قرنين من الزمان، وجدت في البيئة الساحلية التلقي والقبول، وهكذا. ونجد أيضا في الفكر الصوفي، في كل الأفكار نجد أن البيئة تؤثر على سلوك الإنسان.
        أيضا ظهور الخوارج ، نجد أن هناك ممن يتهم الخوارج بأنهم طائفة تظهر في بلد دون بلد. ممن يذكر ذلك أحمد أمين – وهو كاتب مفكر مصري – يذكر – عندما تكلم عن الخوارج، وله كتب مشهورة؛ فجر الإسلام وضحى الإسلام تكلم في ضحى الإسلام، قال:" دائما ما تكون البيئة البادية حاضنة لفكر الخوارج". وهذا الكلام طبعا – في نظري ونظر الجميع – أنه تنظير خاطئ جدا، ولدينا أمثلة في القديم والحديث، كثير من فئات الخوارج نبتت وظهرت في الحواضر، بعض الحواضر العربية، بل وفي زمننا هذا، نجد أن كثيرًا ممن التحق – مثلا – في الجماعات الجهادية الموجودة اليوم، نجدهم من أوروبا، فهل تستطيع أن تقول أن أوروبا بيئة بادية، لا شك على بطلان هذه القراءة، هذه تعتبر من القراءات التاريخية الخاطئة للأفكار وتاريخها. قد تكون بيئة البادية مساعدة لكنها ليست سببًا مباشرًا.
        عندنا السياسة لا شك من أكبر تبني المذاهب الفكرية، ولها دور كبير في تاريخ الأفكار. يقول ابن حزم: "مذهبان انتشرا بالرئاسة والسلطان: المذهب الحنفي في المشرق، والمذهب المالكي في الأندلس"، وهذا كمثال على تأثير السياسة في الأفكار.
        آتي إلى النقطة الأخير في هذا المدخل، وهي المواقف الشخصية. هناك مواقف شخصية تأثر على فكر الإنسان، قد تحوله التحول الجذري التام، وقد تحوله التحول التدريجي، أو في قضية معينة، والأمثلة كثيرة على هذا، يعنى بدءًا من الموافق التي حصلت للصحابة في تحولهم من الكفر إلى الإسلام، إلى ما جرى على علماء الإسلام إلى يومنا هذا.
        نأتي – مثلا – إلى عمران بن حطان – من الخوارج – عمران بن حطان هذا، من العلماء المتسننين، الذين كانوا على مذهب السنة، وروى عنه البخاري، أخرج له في المتابعات، هذا الرجل هو الذي أثنى على قاتل علي بن أبي طالب عبد الرحمن بن ملجم، ما الذي جعله يثني على رجل وهو لم يشهد هذه الحادثة، ولم تكن هناك صلة نسب ولا قرابة بهذا الرجل، مع أنه بين وبين قاتل علي قرن من الزمان، ومع ذلك أثنى عليه، بعد أن كان متسننا. قد يتأثر الإنسان بفكر الخوارج، لكن لا يثني على قتلة الصحابة، مما يدلك على أنه انتقل من المذهب السني، إلى أقصى درجات المذهب الخارجي. سبب تبنِّيه لمذهب الخوارج، هو زواجه من ابنة عمه التي كانت تتبنى رأي الخوارج وقد كانت صاحبة حُجّة ومنظرة لمذهب الخوارج، وتأثر بها تدريجيا حتى وصل إلى هذه الحال. وبالمناسبة، يذكر الشيخ محب الدين الخطيب في كتابه "الخطوط العريضة" في الكلام على الشيعة، قال: "إن سبب انتشار التشيع ديموغرافيا في العراق، قال: تساهل أهل السنة بمصاهرة الشيعة، وقال: إن هذا يؤثر مع مرور الزمان"، يؤثر ديموغرافيا – كما يقال.
        أيضا من المواقف الشخصية، ما حصل لابن عبد الحكم، وكان من أئمة المالكية، وتأثر بالشافعي، وكان مما يحكي عنه أنه كان يطمع أن يُسندَ الشافعيُ الأمر إليه بعده، فأسنده إلى نده البويطي، وهو أحد تلامذة الشافعي، فرجع إلى أصول المالكية، وهذا داخل فكر فروع الدين وهو التمذهب الفقهي، وليس أصول الدين.
        عندنا – مثلا – مدرسة أبي الحسن الأشعري، وهذه شخصية مشهورة، التي تحولت من الاعتزال إلى أن أنشأت مذهب – كما ذكرت – ردة فعل على الغلو العقلاني الاعتزالي. عندنا أبو حامد الغزالي، هذا الرجل الذي تحول تحولات كبيرة من الأشعرية إلى الفلسفة إلى التصوف، يعتبر هو الذي مزج التصوف بالمبادئ الأشعرية. كانت الأشعرية في زمن أبي الحسن وتلامذته، لم تتأثر بالتصوف، فأبو حامد الغزالي يعتبر أشد من أدخل التصوف في مقالات الأشعرية، وأيضا تأثر بالفلسفة، حتى قيل إنه على منهج أهل الفلسفة المحضة، وبالأخير – كما يقال في السيرة – أنه مات وعلى صدره صحيح البخاري، بمعنى أنه رجع إلى الأثر.
        عندنا تقي الدين الهلالي الذي توفي قبل أربعين سنة، هذا أحد علماء المغرب الذين يدافعون عن الطريقة التيجانية، حصلت له مناظرة مع أحد علماء السنة، فتحول من أقصى التطرف التيجاني إلى أشد المدافعين أو المبطلين لعقائد الصوفية...
        ختاما، أريد أن أصل إلى بعض النتائج، وهي: أنه لا بد من قراءة تاريخ الأفكار قراءة متأنية، وأحيانا، تكون القراءة الخاطئة قد جردت الفكرة الحقيقية عن الحق الذي فيها، فليست كل دراسة بواعث الفكرة تكون صائبة، كمن يطعن – مثلا –في من يريد تحكيم الشريعة بأنه يطمع للسياسة، كما يفسر بعض المستشرقين والمفكرين العرب محاولات تحكيم الشريعة في بعض البلاد الإسلامية، يقول: هؤلاء طامعون بالسلطة. إذا أردت أن تطبق هذه القاعدة لن تكن هناك حكومة تطبق الشريعة بهذا المبدأ، وهذه من التفسيرات الخاطئة. لذلك، لا بد أن تكون القراءة صحيحة ، بل ربما الجهل بتاريخ الفكرة والأفكار أفضل من القراءة الخاطئة لتاريخ الأفكار.
        لدينا اليوم مصطلحات تلعب دورا مهما جدا في بناء الأفكار، وبعضها امتداد لأفكار قديمة، فلدينا مذاهب فكرية قديمة تختبئ – اليوم – داخل التيارات الفكرية المعاصرة، فمثلا عندنا الشعوبية، والشعوبية فكرة ظهرت في زمن العباسية، اليوم تختبئ في عبارات عندنا وأفكار مثل معاداة سامية، مثل وحدة الأديان، مثل حقوق الإنسان ونحوها. عندنا – مثلا – الزندقة، وهي منهج بعد أن كان محصورا على طائفة معينة من الفارسيين، هذه الزندقة اليوم تكون في بعض الجوانب العلمانية واللبرالية، تكون مختبئة فيها هذه الفكرة. أيضا ينبغي عدم إهمال الجانب تاريخ السياسة والاقتصاد، في تنظير أو قراءة تاريخ الأفكار.
        أرجو أني وفقت في لملمة هذا الموضوع الصعب جدا، وأسأل الله – عز وجل – التوفيق لي ولكم. والموضوع أطول من كذا، لكن أريد أن أسمع المداخلات، وأستنير بآرائكم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.