موقف أهل العلم من تبعيَّة إمارة جبل شمَّر للدولة العثمانيَّة، ومنشأ الخلاف في ذلك بين علماء الجبل


موقف أهل العلم من تبعيَّة إمارة جبل شمَّر للدولة العثمانيَّة
 ومنشأ الخلاف في ذلك بين علماء الجبل

(هذا البحث منشور ضمن كتاب: منبع الكرم والشمائل من ص 58 إلى 94 )

أول من أعلن التبعيَّة المطلقة والولاء الكامل للسلطان العثماني واعتُرِفَ به من حُكام آل رشيد هو بندر بن طلال الذي تولَّى الحُكم في رمضان سنة 1285هـ/1869م بعد أن قتلَ عمَّهُ متعبًا. وجاءت موافقة السلطان العثماني على ذلك في أول سبتمبر عام1289هـ/1872م، وضُمَّ جبل شمَّر إلى ولاية المدينة المنورة([1])، كما تولَّى الإشراف على قوافل الحج وتعيين قادتها، ومُنح على إثرها النيشان المجيدي من الدرجة الثالثة([2]).
وبعد أن تولَّى محمد بن عبدالله إمارة الجبل مُنِحَ وسامًا أعلى من ابن أخيه بندر وهو الوسام العثماني من الدرجة الثالثة([3]). ثم كانت العلاقة بعد ذلك بين مَدٍّ وجزر. وكذلك الحال لعبدالعزيز المتعب الحاكم بعد عمِّه محمد الذي تُوفيَ سنة 1315هـ.
فإمارة الجبل آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر كانت خاضعةً في عمومها لولاء السلطان العثماني، يزداد –هذا الولاء- حينًا ويضعف حينًا آخر. وإذا نظرنا إلى الدولة العثمانية فهي دولة معادية للدولة السعوديَّة في أشد أحوالها، وغير ودِّيَّة في أحسن تلك الأحوال، رغم أنَّ الإمام فيصل بن تركي -في ظروفٍ أتت عليه- اعترف بسيادة الدولة العثمانية اسميًّا، ودفع إليها المال دليلاً على الطاعة([4]).
والعلماء في نجد بيَّنوا أن الدولة العثمانية بَنَت الأضرحة وأقامت الموالد والمآتم وعادت الدعوة([5])، وغيرها من مظاهر الشرك([6]). وفي آخر القرن الثالث عشر استغلَّت الدولة طلب الإمام عبدالله بن فيصل الاستعانة بهم إثر الخلاف بينه وبين أخيه سعود على الحكم، فعثت وسعت في الأرض فسادًا، وطمعت بالحكم فاستولوا على الأحساء فصاروا شرًّا على المستعين والمعان عليه، لذا حكم الشيخ حمد بن عتيق برِدَّةِ من أجازَ من العلماء الاستعانةَ بهم([7]).
 وردَّ على من أجاز ذلك الشيخُ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في رسالةٍ سمَّاها (حُبَالَةُ الشيطان)([8]). وقد ألَّف بعض علماء نجد رسالةً في كفر الدولة العثمانية بأسباب هذه الحملات([9]) .
ومما ينبغي التنبيه عليه أنَّ موقف أئمة الدعوة من الدولة العثمانية ليس كموقفهم المتِّفق من الحملات العثمانية على بلاد التوحيد.
وقد انسحبت هذه المسألة على جبل شمَّر في تبعيَّتها للدولة العثمانية، وحدث في ذلك خلافٌ بين بعض أهل العلم في الجبل.
وظهر في ولاية الأمير محمد بن رشيد خلافٌ طال واشتهر بين بعض علماء نجد في مسألة تكفير المعيَّن ومسألة حكم السَّفر إلى بلاد المشركين.
وفتاوى أئمة الدعوة في حكم السَّفر إلى بلاد المشركين واضحة جليَّة([10])، وإنما الخلاف عند بعضهم في تحديد بعض البلاد التي ظهر فيها شيءُ من الشركيَّات؛ هل هي من بلاد الشرك أم لا؟. وكذلك بعضُ البلاد التي تبعت الدولة العثمانية واستنصرت بها؛ هل هي في حكمها أم لا؟. ففي الوقت الذي ما يزال أئمة الدعوة في بداية القرن الرابع عشر يُقرِّرون هذه المسائل كالشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ عبدالله بن عبداللِّطيف وتلامذتهم في بلدان نجد؛ في ذلك الوقت وَرَدَتْ عام 1314هـ إلى الأمير محمد بن عبدالله آل رشيد رسالةٌ من الشيخ عبدالله بن علي بن عمرو الرشيد([11])، يُؤلِّب فيها –عفا الله عنه- محمدَ بن رشيد على بعض العلماء، يقول الشيخ عبدالله البسام عن هذه الرسالة: (وهي رسالةٌ موجّهةٌ من الشيخ عبدالله بن عمرو إلى الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد حينما كان حاكمًا على بلدان نجد كلها، وهي تُبيِّنُ موقف المترجَم (عبدالله بن عمرو) من أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتبين انقسام أهل نجد لاسيما أهل القصيم حول هذه الآراء والأفكار المستعرضة في الرسالة)([12]).
 وهذه الآراء والأفكار هي ما ذكرتُهُ سابقًا عن تكفير المعيَّن، وحكم السفر إلى بلاد المشركين. وممَّن كاتب ابن رشيد في هذا الشيخ إبراهيم بن جاسر رحمه الله([13]).
وقد قسَّم الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ اختلاف علماء القصيم في هذه المسائل إلى فريقين بقوله([14]): (فريق يعتقدُ أنَّ الدولة العثمانية ومن شابههم من عبَّاد القبور مسلمون ليسوا بمرتدين، ولا يرى وجوب عداوتهم والبراءة منهم، ويبيح السفر إلى ديارهم، ولا يرى وجوب الهجرة من بين ظهرانيهم([15]). والفريق الثاني: خالفوهم واعتقدوا خلاف ما كانوا يعتقدون، وحصل بينهم نزاع عظيم وافتراق([16])، وكتب بعضهم لعلماء المسلمين يسألونهم ويسترشدون منهم). وممّن راسل العلماء سابق الفوزان([17])؛ أرسل رسالة إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ يسأله عن المسائل التي دار عليها الخلاف في السفر إلى بلاد المشركين، وتحديد البلد المشرك، فأجابه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بنحو أربع عشرة صفحة([18])، وللشيخ حسن بن حسين فتوى في هذه المسألة([19]).
ورسالة ابن عمرو أثارت حفيظة الأمير محمد بن رشيد فأرسل رسالةً إلى العلماء يُحذِّر ويتوعَّد([20]). وجاءت رسالة الشيخ إبراهيم بن جاسر إلى ابن رشيد يشكرهُ بعد أن كاتب خصومهم وهدَّدهم([21]).
والذي سبَّبَ رسالة عبدالله بن عمرو إلى محمد بن رشيد؛ هي أبياتٌ للشيخ سليمان بن سحمان ردَّ بها على رجلٍ من أهل الأحساء، هذا الرجل كتَبَ رسالةً إلى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، وإليك جواب الشيخ سليمان بن سحمان أنقله عن الأصل المخطوط، يقول فيها:
(وفي سنة خمس وثلاثمائة وألفٍ وَرَدَ على الشيخ عبدالله بن عبداللطيف كتابٌ وفيه هذه الأبيات، وفيه:"وأمَّا مُحبِّيكم في هذه البلدة (أي الأحساء) من فضل الله مستقيمين على ما طُبعنا عليه من الحبِّ في الله والبغض فيه والموالاة والمعاداة فيه، ومهاجرين من فضل الله أهلَ البدع والضلال في جميع الأحوال"، وقد بلغنا عنه أنَّهُ قال "إنَّ هذه الدولة الملعونة (دولة)([22]) إسلامٍ لا أكفِّرُهُم" وقد ثبتت عنه هذه المقولة عن عدولٍ ثقاتٍ، وهذه أبياته التي ذكرها في كتابه:
     عُذرًا فإن زعم الوشاةُ بأنني     قد حدْتُ أو مالت بيَ الأقدارُ )([23])
وبعد أن ذكر أبياته أجابَهُ ابن سحمان بقصيدته الرائية([24]):
علمًا بأنَّ النقل نقلٌ ثابتٌ
 

جاءت به الأخبار والأسفارُ

وهذه الأبيات هي التي ردَّ عليها ابن عمرو في رسالته الأخرى، والتي بنى عليها في رسالتِهِ الأولى لابن رشيد، حيث استنكر الأبيات التي ذكرها ابن سحمان ومنها:
والله حرَّم مكث من هو مسلمٌ
ولهم بها حكم الولاية قاهرٌ
 

في كل أرضٍ حلَّها الكفَّارُ
فاربأ بنفسك فالمقامُ شنارُ



وحقيقة فتوى بعض أئمة الدعوة في كفر الدولة العثمانية وتصريحهم بذلك([25]) لِعِلَلٍ لا تخفى على من عَرَفَ تلك الحالة التي كانت عليها الدولة من نظامٍ مدنيٍّ يُبيح الشركيات ويجهر بها، ويُجوِّزُ الاستغاثة بغير الله، وما طرأ عليه من منهج علماني تغريبي([26])، وكذلك النِّظام العسكري للدولة العثمانية -الذي أنشأ في آخر عهدها على غرار نظام الجيوش الأوربية- وهو الذي استباح الدماء والأعراض، وقاتل أهل البلاد النجدية وولاتها.
وأمَّا تكفير أعيانِ سلاطين الدولة وآحاد المسلمين في تلك البلاد فلا يقول بكفرهم أحدٌ من أئمة الدعوة. بل على العكس كان التقدير للسلاطين العثمانيين قائمًا من قبل علماء نجد، وهذا ظاهرٌ في رسالة الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن إلى شيخ المدرسين في الحرم النبوي عندما تحدَّث عن خدمة السلاطين العثمانيين للحرمين الشريفين([27]).
وقد جاءَ تهديدُ محمد بن رشيد خاصَّةً إلى الشيخ سليمان بن سحمان إثرَ الوشايةِ به وأنَّه كان يقصد –ابنُ سحمان- في أبياته ابنَ رشيد في تبعيته للدولة.
وحنكة ابن رشيد وسداد رأيه تجعل المنصف يحكم على هذا التهديد بأنَّه لا يتعدَّى الحبس أو الضرب.
فأرسل الشيخ سليمان رسالةً وأبياتًا إلى ابن رشيد يعتذر فيها إليه. وقد ردَّ عبدالرحمن بن بطي([28]) على ابن سحمان بمنظومة يستهجنُ فيها تعظيمه واعتذارهُ لابن رشيد. ثم ردَّ الشيخ سليمان على ابن بطي، وقرَّظ الردَّ الشيخ محمد بن عبداللطيف بتقريظ طويل([29]).([30])

قلتُ: ومن قرأ هذه الرسالة -اعتذار ابن سحمان- لا يرى في باطنها قدحًا في ابن رشيد، كما أشار إليه الشيخ محمد بن عبداللطيف في تقريظه لرد ابن سحمان على ابن بطي.
قال أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري: والأمير محمد بن رشيد لا يعتقد مذهب ابن عمرو ورفاقه إذ هدَّد ابن سحمان، وإنَّما نقم عليه لما أقنعوه بأن ابن سحمان يكفره([31]).
وألَّف الشيخ صالحُ آل بنيان رحمه الله رسالةً في الردِّ على ابن عمرو في هذه القضيَّة، تتضمن مقدمةً وقصيدةً من ثمانين ومائةِ بيتٍ وهي المشهورة بالرد على ابن عمرو. وقد عنَّف الشيخ صالح على ابنِ عمرو وابنِ جاسر غفر للجميع، يقول في أولها: (أما بعد: فإنه قد بلغنا منذ أزمانٍ ما كان بين الإخوان من أهل القصيم من التفرُّق والاختلاف والتنافر بعد المحبة والائتلاف، وذلك ممَّا جرى من بعض الطلبة من إباحة السفر إلى بلاد المشركين، وجواز الإقامة بين أظْهُرِ أعداء الملة والدين، لمن صلَّى وصام، وزكَّى ووصل الأرحام، وهذا والله أمرٌ تشمئزُّ منه القلوب، وتقشعرُّ منه الجلود، ولا يرضى بإقراره والسكوت عنه الملك المعبود، وإنَّ ما قرَّرهُ الشيخ عبدالرحمن بن حسن والشيخ ابنه عبداللطيف والشيخ حمد بن عتيق، وما درج عليه علماء نجد من آبائهم وسلفهم، ومن حذا حذوهم من أولادهم ..).
ويظهر من رسالةِ ابن عمروٍ لابن رشيد أنَّه خَلَطَ ردَّ الشيخ صالح بردِّ الشيخ سليمان، فأتى في رسالته بألفاظِ ردِّ الشيخ صالح على أنَّها للشيخ سليمان، فقال في رسالته لابن رشيد:  (ويقول فيها (أي ابن سحمان) أنَّ ابن جاسر وجماعته انحازوا في مسجدٍ شابه مسجد الضرار، وصاروا مثل أبي سفيان يوم أحد حين قال: اعل هُبل، فقام شيخ الإسلام يعني ابن سليم قيام الليث وركب العضباء وسار في شدة الحرِّ للأمير يريد نصرة الدين فصار مثل النبي r وأصحابه حين أجابوا أبا سفيان بقولهم الله أعلى وأجل). وهذا النصُّ هو من ردِّ الشيخ صالح على ابن عمرو لا من ردِّ الشيخ سليمان، والشيخ صالح عفا الله عنه وغفر له قد عنَّف في قصيدته هذه على بعض الأسماء بما لا ينبغي ذكره، فغاية ما يُؤخذ على ابن عمرو هو عداءُهُ لهذه الدعوة وولاتها، والدعاية الشنيعة على الملك عبدالعزيز وجهوده أول الأمر في توحيد الجزيرة([32]). وأمَّا ابن جاسر ومن معه فلم يكونوا بهذا العداء للدعوة الذي يستحقُّ أن يوصفوا بأعداء الملَّة والدين. وكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا محمد r.
وقد امتدَّ هذا الخلاف في المسائل السابقة إلى أهل العلم في حائل، وذلك بعد وفاة الأمير محمد بن رشيد عام 1315هـ. حيث تولَّى عبدالعزيز المتعب، وكان أشدَّ وأقسى في هذه الأمور من عمِّه المحنَّك؛ من ذلك أنَّهُ لم يُطع عمَّه فيما وصَّاهُ به قبل موته([33]).
ففقدان حنكة الأمير محمد، والظروف السياسية التي أتت على الجبل في وقت عبدالعزيز المتعب، زادت من ظهور الخلاف في المسائل السابقة.
وكما انقسم علماء بريدة في هذه المسائل، كذلك انقسم مشايخ حائل إلى أقسامٍ ثلاثة، فالفريق الأول: لا يُثرِّب على آل رشيد في تبعيتهم للدولة العثمانية مع ما فيها من مظاهر البدع والشركيَّات([34]). وهؤلاء كانوا إلى أمراء آل رشيد أقرب، ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن مرشد (ت1324هـ)، والشيخ حمد بن محمد الخطيب (ت1346هـ) والشيخ عطية بن سليمان المزيني (ت1330هـ)، والشيخ سالم الحجي (ت1324هـ) والشيخ حسن الحجي (ت1343هـ) وغيرهم رحمهم الله جميعًا. والفريق الثاني: يرى كفر الدولة العثمانية في وقتهم، ويَشتدُّ نكيرهُ –دون تكفير- على من تبعها من ولاة المسلمين، ويُجرِّمُ من استنصر بها على المسلمين، ويُحرِّم الإقامة بين ظهرانيهم لمن يستطيع الهجرة منها. وهذا الرأي نصرهُ الشيخ صالح آل بُنيان (ت1330هـ) والشيخ حمود بن حسين الشغدلي (ت1390هـ)، والشيخ محمد بن حميد الصريري (ت1358هـ)، والشيخ عبدالرحمن الملق (ت1380هـ)، وتلامذة الشيخ صالح رحمهم الله جميعًا. والفريق الثالث: يرى كفر الدولة العثمانية وكفر من استنصر بها من ولاة المسلمين أو ألقى لها السمع والطاعة، ويرى وجوب الهجرة من تلك البلاد المطيعةِ لها فضلاً عن الدولة نفسها، وهذا الرأي رغم قلَّة من قال به إلاَّ أنَّه يكاد ينفردُ به في الجبل الشيخ عيسى بن محمد الملاحي (ت1353هـ) رحمه الله تعالى.
وبذور هذه المسألة نشأت مع معركة الصريف([35])، حيث إنَّ الشيخَ صالحًا رحمه الله كان قد أبعده عبدالعزيز المتعب قاضيًا في تيماء، بعد أن ظهر منه المعارضة الصريحة له. وحُكِيَ أنَّ الأميرَ محمدًا همَّ أن يُبعد الشيخ صالحًا عن حائل لكثرة معارضته([36]). ولم يكن الشيخ عيسى الملاحي بمنأى عن تهديد عبدالعزيز المتعب الذي ضَرَبهُ حتى كُسِرت يدهُ، ورحل إلى القصيم، فارًّا من سطوةٍ أخرى عليه([37]). إلاَّ أنَّ حِدَّةَ الشيخ عيسى، وتكفيرَهُ الصريح لحُكَّام آل رشيد جعلهُ ينظمُ قصيدةً قَدَحَتْ زِنادَ حادثةٍ كَثُرتْ ردودُها، وطال زمانُها إلى ما بعد وفاة الشيخ صالحٍ بسنوات. هذه القصيدة([38]) قالها الشيخُ عيسى رحمه الله في كفر الدولة العثمانية، ومن تبعهم من ولاة الجبل المطيعين لهم. ويرى الهجرة من تلك الدِّيار. غير أنَّ هذا لم يكن السببَ الوحيدَ في إطالة الردود على هذه القصيدة، بل إنَّ في القصيدة تنقُّصٌ لأهل العلم من الفَرِيقَيْنِ؛ كما بيَّنتُهُ. وخُصَّ بالذمِّ الشيخُ صالحٌ. وغالبُ أبياتها مكسورة، مطلعها([39]):
ألا قائلٌ لأهـلِ علمٍ في الجبـل
مـا حكم أهل بلدةٍ قد أسلموا
للخالعين دين الرسل جميعهم
أعني بهم عصبة الأتراك وحزبهم


أجيبوا سؤالاً لسائلٍ لكم سأل
وسلموا الأمــر بمـا دقَّ وجـل
وملتزمي أقبح الطرق والملل
من آل رشيدٍ لا أطيل لهم أجل

فجاءت ردود أهل العلم في الجبل متوالية على هذه القصيدة.
فردَّ الشيخُ حمود بن حسين الشغدلي على هذه القصيدة بردٍّ أسماهُ (تنبيه المنصف الصَّاحي على تبرئة الإخوان مِمَّا افتراهُ الملاحي)، تتضمَّن مقدمةً طويلةً وقصيدةً مطلَعُهَا:
أرى الصمتَ منجِ اللبيب من الزلل
سيعلمُ بين النَّاس ما قال قائلٌ
وقد مرَّ في سمعي سؤالٌ لسائلٍ


وسترًا على العورات من أوفر الحلل
ويظهر للنُّقَّاد ما فيه من خلل
يُحاور أهل العلم من ساكني الجبل

وبيَّن الشغدلي في المقدمة بعض التقعيدات في مسألة اعتبار دار الإسلام ودار الكفر، ونقل عن الأئمة في ذلك، ونصَّ على أنَّ كفر الأتراك حقٌّ، وأنَّ الملاحي صَدَقَ في ظهور كفرهم، وبيَّن أنَّ فيها من البهت والكذب خاصَّةً على الشيخ صالح ما لا يُسكت عنه، وبين أنَّه لولا انتشار قصيدته لَمَا ردَّ عليها. ومن أبياتهِ:
ولكنَّهُ قد قال قولةَ صادقٍ
وهم فوق ما قلتم وأنواع كفرهم
وأكثر كفر الترك لا شكَّ ظاهرٌ


بحق ذوي الإشراك يا حُسنَ ما انتحل
تزيد لدى التحقيق ما قلتَ في الجمل
ونحلتهم في الناس من أقبح النحل

وردَّ أيضًا على قصيدةِ الملاحي الشيخُ محمد بن حميد الصريري -وهو من تلامذة الشيخ صالح-، وردُّهُ علميٌّ رصينٌ وضافٍ على تلك الظروف التي خرجت بها القصيدة وبيان حالِ قائلها قديمًا وحديثًا. فقد بَيَّن أنَّ فيها من الحق الذي يجبُ على كُلِّ مسلمٍ اعتقادُهُ، وفيها من البُهت والباطل على من عرَّضَ بذمِّهم ما بان للنَّاس جورُهُ وفسادُهُ، وأنَّ الملاحي مضطربٌ في نسبة الأبيات فتارة ينسبها لغيره، وتارة يتبرأ منها ويعتذرُ مما فيها، وتارةً يرى صحة اعتقاد ما فيها([40]).
وردَّ الصريري عليه في اتهامِهِ لقاضي الجبل -وقت الخصومة-([41]) في مسألة تولية الفاسق القضاء في دار الإسلام، وقرر له مسألة تكفير المعيَّن، وختم ردَّه بمقامين؛ الأول: أنَّ الاعتراضَ على ما كتبهُ –أي الملاحي- لا يُوجِبُ تزكيةَ الدِّيَارِ المعنيَّة –وهي حائل-، أو الإقرار والسكوت عن جور أمرائها -أي من آل رشيد- وما يُقرُّونه من معاصي فيها. والثاني: أنَّ منهجَ الإمام محمد بن عبدالوهاب وأبناؤه من بعده منهجٌ وسَط؛ جانبوا الغلو والإفراط من جهة، والجفاء والتفريط من جهة أخرى. ثم نظم أبياتًا ناقضَ بها أبيات الملاحي، يقول في مطلعها([42]):
لك الحمدُ يا من لا يزالُ ولم يزل
أتوب إليك اليوم عن كل زلَّةٍ
ويا ربِّ فارزقني الهدى ثم عافني


حليمًا غفورًا للخطايا وقد فعل
وأسألُكَ التوفيق في القول والعمل
من الكبر والإعجاب والحقد والدَّغل

وممَّا قرَّرَهُ فيها قوله:
وقولك في التُّركِ الغواة فإنَّهُ
وهم فوق ما قلتم وأنواع كفرهم
وأكثر كفر الترك لا شكَّ ظاهرٌ
وكلُّ معين بل محب لنصرهم
فهذا اعتقاد القاصدين وشيخهم
وقد كان أستاذُ الأحبة جاهدًا
ويُقري تصانيف الأئمة دائمًا


صحيحٌ وهم في النَّاس من أقبح الدُّول
تزيد لدى التحقيق ما قلتَ في الجمل
ونحلتهم في الناس من أقبح النِّحَل
لكي يهدم الإسلام ما عنهم انتقل
وتعلم هذا لو نطقت بلا جهل
يُحذِّرُ عمَّا قلت بالقول والعمل
([43])
ويذكرُ حال التُّرك خوفًا من الخطل

ومن الردود أيضًا ردُّ الشيخ عبدالرحمن السليمان الملق، بقصيدة مطلعها([44]):
أرى القول بالإنصافِ من أفخر الحلل
إذا ما ارتداه المرء طابت فعاله
ومن فاته الإنصاف ساءت فعالهُ


يزينُ الفتى إن قال بالصدق وانتحل
وفاق على أهل التحامل بالزلل
وأقواله إن قال بالزور وانتقل



وردَّ عليه أحد تلامذة الشيخ أيضًا بمقدمة وقصيدة داليةٍ على غير قافية القصيدة المردود عليها، غير أني لم أتعرَّف على قائلها، مطلعها([45]):
فمن مبلغٍ عنِّي الملاحي رسالةً
خلافًا لما يُبدي الغبيُّ لصحبه


مغلغلةً تأتيه جهرًا بلا جحدِ
ويأمرهم ألا تبوحوا بما أُبدي

وقد ذكر في هذه القصيدة أسماء الذين وقفوا مع الشيخ عيسى الملاحي في هذه القضية وناصروه وآزروه.
ثم جاء ردُّ الشيخِ سليمان بن سحمان في هذه المسألة لما رفعَ إليه بعضُ طلبة العلم في حائل الأبياتَ التي وقع عليها الرد، فأجاب بمنظومةٍ مطلعها([46]):
ألا قُلْ لأهلِ العلْمِ من ساكنِ الجبلْ
نظرنا إلى قولِ الملاحيْ وقولِكُمْ
ولمْ نرَ فيمَا قلْتُمُوهُ تجازُفًا
فقولُ الملاحيْ وهو لا شيء عندنا
سُؤَالَ تَحَدٍّ لا سُؤَالَ تَفَهُّمٍ
وأنشَدَ شعرًا واهِـيـًا مُــتـَـهَــافـِتـًا


وصَفْوةِ أهْلِ الخيْرِ من ذلكَ المحلْ
فلمْ نَرَ قولَ الفدْمِ إلاَّ من الزَّلَلْ
ولا حَنَقًا في السَّيْرِ ينْمي إلى الخطلْ
وقدْ جارَ فيمَا قالَهُ حينمَا سئلْ
ومُسْتَرْشِدًا عن وصمةٍ توبقُ العملْ
عُيوبًا كساهَا حُلَّةَ الجهْلِ والخَطَلْ

بيَّن فيها الشيخ سليمانُ خطأَ الملاحي فيما قاله، ووافقه على تكفيره الأتراك، وأثنى على الشيخ صالح وتلامذته، كما أثنى على ردِّ الشيخ حمود الشغدلي بقوله في القصيدة:
ومن قد يُواليهم ويركن نحوهم
كما قالهُ أعني حمودًا بنظمه


فلا شكَّ في تفسيقه وهو في وجلْ
ومنثوره إذ قال بالحق لا الزَّللْ

وبعد قصيدة ابن سحمان ظهرت قصيدةٌ من أحدِ المنتسبين إلى أهل العلم في حائل، لا يُعرف قائلُها، أثنى فيها على ردِّ الشيخ سليمان بن سحمان، وشدَّد على الملاحي فيها، يقول في مطلعها([47]):
رأيتُ الهوى يهدي الغوي إلى الزلل
ويلتبسُ الشيطان في خللِ الهوى
فينقادُ طوعًا للهوى بزمامه


ويُعمي عن الإنصاف في القول والعمل
يقودان من قد يستطيعُ إلى الخطل
فيرميه قسرًا في هوى هوَّة الجبل

وخطَّأَ الملاحي في جعله حُكَّام الجبل كالأتراك فقال:
فقد ذكر الأتراك قال: وحزبهم
ليجعلهم كالترك في كل حالهم
ويدعو عليهم من صميم فؤاده
فشتان ما بين الفريقين إنَّهُ
وليسوا سواءًا في جميع أمورهم
فقد بعدوا عنَّا لبُعد ديارهم


من آل رشيدٍ لا أطيل لهم أجل
بغير دليلٍ يستدلُّ به الأقل
دعاء عدو الدِّين بالحقد لم يزل
بعيدٌ وما يدري الغبيُّ عن العلل
كذبتَ يقينًا بالذي أنت تنتحل
فدونهم عدُّ الحصاء من الملل

وأثنى فيها على آل رشيد، ووصف تعاملهم مع الأتراك بأنَّها سياسة لدرأ الشَرِّ عن البلاد وجلب النفع لها، وهي سياسةٌ لا يستغني عنها ملك أو أمير كما ذكر. وقال في محاسنهم في الجبل:
فهم أولياء الأمر فينا وعندنا
وهم بذلوا للحرب فيها نفوسهم
وهم نعمةٌ فينا تُعدُّ ونقمةٌ
وهم بذلوا نوع الأمان بدارهم
وهم رحمةٌ للساكنين ونقمةٌ
وهم عظَّموا سكان أجبال طيء
يدينون بالإسلام لا دين غيره


وهم من ذوي الأحلام عن سيء العمل
وأموالهم فيها ليعتدل الميَل
على من بغى شرًّا ليَنْزَجِرَ السُّفَل
من الله في أسبابهم حبذا العمل
بهم يطمئن القاطنون من القيل
بهم زانت الأجبال والدار والمحل
بتجريد توحيد الإله عن الخلل

وقال في تحكيمهم الشرع ومنابذتهم الشرك:
وما عبدوا حقًّا سوى الله وحده
وأرضهم قد نُزِّهت عن معابدٍ
ولا خلطوا التوحيد ممَّا يشوبه
وقد حكَّموا الشرع الشريف بحكمهم


فسبحانه جلَّ المليكُ عن المثل
ولا قبر ممَّا قد يُزار ويُنتحل
من الشرك شيئًا في دقيق ولا جلل
على مقتضى التنزيل لا قول من عدل

وقائلُ هذه القصيدة هو من الفريق الأول الذين سبقت الإشارة إليهم.
فلما ظهرت أبياتهُ ثارت الردود عليه من أهل العلم بسببِ تعظيمه آل رشيد. فقد أجاب الشيخُ صالحٌ عليه وعلى الشيخ عيسى الملاحي بقصيدة واحدة مطلعها([48]):
إلى اللهِ أشكو حادثاتٍ بها حَصَلْ
وذلِكَ بينَ المنتمِينَ بدينهِم
وبانَتْ خُروقٌ جهرةً عَزْرَ فيها


علينا افتراقٌ قد دَهانَا به الخلل
إلى العلم دهرًا في ذرى عَرْصَةِ الجبل
وضلّت بها حَمْقَاءُ عن وِاضحِ السُّبُل

وردَّ على تلك القصيدة أيضًا الشيخ حمود الشغدلي في قصيدة مطلعها([49]):
على وجهها الموسوم بالإفك والزلل
ومنشأها خبٌّ لئيم قد اعتدى
فما قصدهُ ذم الملاحي وقوله


خمارُ فجورٍ أذهب الحلي والحلل
وعاث بأهل الحق ذا غاية العمل
ولا مدح أرباب الرياسة في الجبل

ثم أجاب الشيخُ سليمان بن سحمان بقصيدة طويلة مُسْهَبَةٍ مفصَّلةٍ تبلغ واحدًا وثلاثين وأربعمائة بيت، فصَّل بها ابن سحمان ما ردَّ به قائل الأبيات على الملاحي، كما بيَّن فيها مسألة الموالاة والمعاداة، والهجر على المعاصي وغيرها، مطلعها:
ألا بلغا عني حنانيكما امرءًا
ويُلبس ما قد كان حقًا بباطلٍ


جهولاً تمادى في الضلالة والجدل
ويكتمُ ما قد كان من ذاك قد عقل

وهي لاميَّتُهُ الثانية التي قالها في هذه القضية([50]).
هذه هي الإرهاصاتُ الأولى لقصيدة الشيخ عيسى الملاحي رحمه الله التي كفَّر فيها الأتراك ومن تبعهم من آل رشيد، وذمَّ فيها الإخوان من طلبة العلم في الجبل، رحم الله الجميع.
فجاءت الردود على الملاحي متتابعةً؛ أربعة ردود من تلامذة الشيخ صالح هم: حمود الشغدلي، ومحمد الصريري، وعبدالرحمن الملق، وآخر. والخامس: ردُّ الشيخ سليمان بن سحمان. والسادس: ردُّ أحد المنتسبين إلى طلبة العلم في حائل([51]) والذي خالف فيها الملاحي لكنَّهُ أثنى على آل رشيد ثناءًا لم يقلهُ الآخرون. فردَّ على السادس هذا خصوصًا كلٌ من الشيخ حمود الشغدلي، والشيخ سليمان بن سحمان بقصائد أخرى.
أمَّا ردُّ الشيخ صالح فجاء على هذا الرجل غير المعروف وعلى الشيخ عيسى الملاحي في قصيدة واحدة.
وأمَّا الشيخ عيسى الملاحي رحمه الله فإنَّه نافح عن نفسه وردَّ على تلك الردود، فقد ألَّف رسائل أطال فيها الكلام وأسهب، وشدَّد على مخالفيه في الردِّ وأطنب. مما أطال المسألة إلى ما بعد وفاة الشيخ صالح رحمه الله سنة 1330هـ.
فقد ألَّف الشيخ عيسى الملاحي -قبل ذلك- رسالةً بيَّن فيها غربة الدين، وتغير أهل زمانه، وذلك بعد اعتداء عبدالعزيز بن رشيد عليه([52])، وطَرْدِهِ المشايخَ والتشديد عليهم. وهذه الرسالة ظاهرٌ فيها أنَّ الشيخ كتبها قبل أحداث القصيدة السابقة والردود عليها([53]).
وبعد أن توالت الردود على الشيخ عيسى الملاحي في القصيدة السابقة كتب الشيخ عيسى رسالةً بيَّن فيها سبب القصيدة ووقتها، غير أنَّهُ أنكر أن تكون القصيدة له([54])، أو أن يقصد بالتكفير أهلَ الجبل، وإنَّما قصد أمرائها، وفصَّل الكلام في ذلك، مما لا فائدة من بسطه هنا.
كما ألَّف الشيخ عيسى الملاحي رسالةً سمَّاها (تسجيل القصور والعيِّ على المعترض من أهل جبل طيّ)([55])، وهي ردٌّ على من ردَّ عليه نثرًا من أهل العلم في الجبل من الموالين لآل رشيد الذين يرون فيهم نصرةً للدين ونعمة لأهل البلد([56]).
وقد أطال الملاحي الجواب فيها، مركِّزًا على مسألة ذِكْر العام وإرادة الخاص في إطلاقِ صاحبِ القصيدة التابعينَ للدولة العثمانية هل هم الحكَّام أم عموم أهل الجبل؟. وختم رسالته بقصيدة نونية طويلة تتحدث عن غربة الدين، وتولي  أنصاف المتعلمين زمام الأمور.
كما كتب الشيخ عيسى رسالةً بعنوان (الأدلة القطعيَّة في الرَّد على مَنْ غلبة عليه العُجمة والنبطيَّة)([57]) وهذه الرسالة أرسلَ بها إلى الشيخ حمد بن فارس([58]) وهي ردٌّ على من اعترض عليه من أهل الجبل أيضًا، بيَّن فيها أنَّ الشيخ سليمان بن سحمان إنَّما تَبعَ أهل الجبل في اعتراضهم دون تحقق وتثبُّت([59]).
وكتب أيضًا الشيخ عيسى الملاحي تعليقًا وتهميشًا من أربع صفحات على قصيدة الشيخ سليمان بن سحمان التي ردَّ بها عليه في قصيدته، أوضح فيها أنَّ نسبة الأبيات([60]) إليه محض افتراء وكذب، وبيَّن أنَّ تعمَّد الكذب ليس من الشيخ سليمان؛ إنما في مَن افترى عليه من أهل العلم في الجبل. وردَّ على ابن سحمان فيها عندما قال ابن سحمان عن أبيات الملاحي:
وأنشدَ شعرًا واهيًا متهافتًا
وضمَّنهُ تيهًا وعجبًا وليتهُ
فليس بنظمٍ مستقيمٍ ولم يكن
ولا وزنه بالمستقيم ولفظهُ


عيوبًا كساها حلة الجهل والخطل
نحا الصدقَ واستوفى القريض بما احتمل
على أبحر الشعر الطويل ولا الرمل
ركيك ولا معناه حقًا فيُحتمل

فقال الملاحي في رسالته ردًا على ما قاله ابن سحمان:
(وأمَّا الدَّعوى على أبيات السائل وأنَّها على غير مقتضى الشعر، وأنَّها مختلفة الأوزان والقوافي، فنحن بحمد الله بيَّنا صحة أوزانها وقوافيها، وأنها على مقتضى شعر العرب، وأنَّها على بحر الرجز وزنًا وتقفيةً). وقال الملاحي أيضًا: (ولسليمان من العذر هُنا ما ليس لغيره من أهل الجبل، لأنهم حرَّفوا أبيات السائل بنقص وزيادة قبل أن تصل إليه).
والشيخ عيسى إنَّما كتب هذه الردود وهو في القصيم بمعزلٍ عن أهل العلم في الجبل، وردُّه الأخير والذي قبله كتبه بعد وفاة الشيخ صالح آل بُنيَّان بسنوات. ثم كتب الشيخ سليمان بن سحمان ردًا منثورًا إلى أهل القصيم بيَّن لهم سقوط رسالة الملاحي الأخيرة في زعمه أنَّ الأبيات على وزن الشعر المستقيم، وجاء نقض هذا الزعم للملاحي من ابن سحمان في ثمان صفحات.
بعد هذا جاءَ ردُّ الشيخ حمد بن فارس على الشيخ عيسى الملاحي، وهو ردٌّ حاسمٌ وفيصلٌ مهمٌّ في هذه القضية التي طالت مع الشيخ صالح وتلامذته من بعده، حيث كتب الشيخ حمد بن فارس الرسالة الآتية:
{ بسم الله الرحمن الرحيم، من حمد بن فارس إلى من يراه من الإخوان، سلك الله بنا وبهم سبيل الخيرات، وجنبنا وإياهم طريق أهل الزيغ والضلالات، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ذلك: أشرفتُ على هامشٍ بقلم عيسى الملاحي على ردِّ الشيخ سليمان عليه، مكثرٌ فيه من الكذب والبهتان، ذاكرًا فيه: أني يوم ألفيت الرياض ذكرتُ لحمد يذكر للشيخ سليمان أنْ ودِّي أواجهه بحضور المشايخ؛ أتحاكم أنا وإياه عندهم، ويشوفون من الصواب معه؟. وإن حمد قال للشيخ سليمان هالجواب، وإنَّ الشيخ سليمان أبى ذلك، وكرر عليه حمد الجواب وأبى. وإن الشيخ كتب كتابًا لحمد([61]) يعتذر فيه بما لا عذر له به عندي-أنا يا عيسى- شرعًا. هذا كلامه وكلُّهُ كذب وبهتان، ولو أنَّ هالجواب صادرٌ لي من الملاحي كان يفرح به الشيخ سليمان وودُّهُ به (فيه)، لأجل أنَّ الشيخ سليمان ماله قصد في أحد إلا التماس الحق أينما كان، والملاحي وجنسه ماله قصد إلا الحكي في الإخوان، وَبَهَتَهُم بما ليس فيهم. والذي صدر مني ومن الملاحي هذا صفتُهُ: قال لي عيسى ودِّي تقول للشيخ سليمان أتواجه أنا وإياه عندك أعتذر منه. وكتبت للشيخ سليمان كلمتين أن هذا جواب عيسى، وكتب لي الشيخ سليمان: إن كان إنه يبي يرجع عن جميع ما قال في الإخوان فلا من خلاف أواجهه، وإن كان إنه على دربه فلا لي حاجة في مواجهته، هذا الكلام الذي صدر منَّا.......، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلَّم. 28 ج 1339هـ} انتهى بتصرف.
وممَّا يُحيِّرُ القاريء لردود الشيخ عيسى رحمه الله هو دفاعهُ المستميت لصدق قائل الأبيات الذي عمَّمَ على أهلِ الجبل الرضا بالتبعيَّة للدولة، وتفصيله في حال الأبيات وقائلها وسببها، ممَّا تلمس منه صدق الشيخ صالح وتلامذته في أنَّ الأبيات للملاحي نفسه، عفا الله عن الجميع.
وإذا قلنا بصحة نسبة الأبيات إلى الشيخ عيسى فإنَّ الملامة عليه تبقى في تعميمه الحُكم لأهل الجبل فقط([62])، لأنَّ الملاحي في تكفيره للدولة العثمانية ومن تبعهم من آل رشيد لم يكن منفردًا بهذا الرأي، فهذه الجزئية من المسألة قال بها الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله، حيث يرى في فتاويه الأخيرة كفر آل رشيد([63]). والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ  عندي له رسالة منسوبة إليه يرى فيها كفر آل رشيد كذلك، غير أنَّ هذه الرسالة ليست مؤرَّخة ولا مختومة بختمه([64]). وهذه الفتاوى لم تكن زمن الأمير محمد بن رشيد ت1315هـ أو عبدالعزيز المتعب ت 1324هـ، بل في الأزمنة التي بعدها، لَمَّا ازداد توثُّق آل رشيد بالأتراك، وازداد التناحر فيما بينهم على السلطة، حتى غدت حائل تُصبحُ على أميرٍ وتُمسي على آخر، وهذا ما ألمحَ إليه بعض مشايخ حائل في قصائدهم بعد دخول حائل في حكم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.
والاستدلال لهذا الرأي –أي اختلاف الفتوى في حال آل رشيد- بما وصفَ به الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ الأمراء من آل رشيد محمد بن عبدالله وعبدالعزيز المتعب وأثنى عليهم، فقال عن الأمير محمد (من جمع الله على يده البلاد النجدية، وحماهم به من شر كلِّ بليَّة)([65])، وبما أنشد أيضًا من أبياتٍ يُثني فيها على عبدالعزيز المتعب بعد وقعة الصريف([66])، ومعلومٌ لدى العارفين مَنْ هُم خصوم ابن رشيد في الصريف!.
وممَّا يُشارُ إليهِ في الاختلاف في الفتوى عن حال آل رشيد ما حصل من تغيرات بعد موقعة جراب سنة 1333هـ التي أزادت طموح سعود السبهان([67])، ورمى بثقل دولة آل رشيد مع الدولة العثمانية([68])، ممَّا حدا بفئاتٍ من جبل شمَّر الانضمام إلى حركة الإخوان مع جيش الملك عبدالعزيز([69]). وبعد عام 1338هـ بدأت غارات الإخوان على جبل شمَّر، فأغارت مجموعةٌ من الإخوان -ومنهم مِمَّن انضم إلى الإخوان من شمر- على أناسٍ من شمَّر قرب حائل فسلبوهم وقتلوا منهم. فسأل بعض الناس مشايخ حائل في حكم هذه الوقعة (حادثة الشعيبات) واستباحة دم هؤلاء، فأجاب من سُئِل مِن مشايخ حائل بالجواب الآتي:
{من عثمان بن عبدالكريم (وهو العبيداء) وحمود بن حسين وسالم بن صالح إلى من يراه من إخواننا من شمَّر، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: سأَلَنا بعض الإخوان عن فعل بعض أهل الهِجَر الذين أخذوا وقتلوا إخواننا من الشريهة وآل صليط وآل سلمان وآل خمسان([70])، والذين معهم من الإخوان، هو حقٌّ أو باطل؟، وقلنا: نبرأ إلى الله بل هو منكرٌ باطلٌ حرامٌ عليهم دماؤهم وأموالهم، ولا نعلم لهم حجَّة شرعية من كتابٍ أو سنة يُبيحُ لهم دماء المسلمين وأموالهم. وصلاح ابن سعود وابن رشيد واختلافهم، لا يُحِلُّ دماء المسلمين ولا أموالهم، لا مِنَّا ولا من أهل نجد، ومن كان على مثل ما عليه الإخوان المذكورين من التزام شرائع الإسلام والتناهي عن الآثام وأراد أحدٌ قتالهُ على ذلك فله الدَّفعُ عن نفسه بالأدنى فالأدنى، وقد قال r "من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون نفسه فهو شهيد"، هذا الذي نراهُ ونعتقدهُ وندينُ الله به، والي (الذي) عنده حجَّة تحل ذلك أو تبيحهُ له، يرشدنا إليها، والسلام }([71]).
وقد كتبَ الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله ردًّا على هذه الفتوى، شدَّدَ فيها على المشايخ هؤلاء، وبيَّن فيها سلامة ما فعله الإخوان، وأطال الاستدلال بأدلَّة منها ما يُمكن الجوابُ عنه في غير هذا الموضع، ومنها ما هو قياسٌ مع الفارق، كاستدلاله بأنَّ حال هؤلاء المقتولين كحال الذين لم يُهاجروا وخرجوا كارهين مع قريشٍ يوم بدر. وأشار في هذه الرسالة -في كلامه عن آل رشيد- إلى الخلاف الذي حصل في وقت الشيخ صالح مع خصومه. وقرَّظ هذا الرد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبداللطيف([72]).
ومن قرأ هذه الرسالة عرف حكم الشيخ سليمان – غفر الله له- في تعميمه على شمَّر، كحال حكم الشيخ عيسى الملاحي في قصيدته التي سبق بيان أحداثها، والكلام عليها. وصار ابن سحمان يقول بالقول الذي قاله الملاحي قديمًا، والذي شنَّع عليه ابن سحمان وردَّ عليه بالقصائد التي سبقت الإشارة إلى مطالعها، وصار في مسألة آل رشيد عام 1339هـ على خلافِ ما كان عليه قبل عشر سنوات، كما أصبح مخالفًا لمَنْ كان موافقًا لهم من تلامذة الشيخ صالح رحم الله الجميع.
أقول هذا وهؤلاء قَدِمُوا إلى ماقَدَّمُوا، عفا الله عن الجميع، وتلك أمَّة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا، إلاَّ أنَّ هذه الأحداث والخلافات المتأخرة ليست معيارًا يُقاس عليه منهج أئمة الدعوة من لدن الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى الإمام عبدالرحمن بن حسن وابنه عبداللطيف والشيخ حمد بن عتيق، ومن في عصرهم من العلماء والأئمة، مع ما فيها من الويلات والمصائب التي حلَّت عليهم. ولا شكَّ أنَّ ما ذكرتُهُ هنا من خلافٍ حول جبل شمَّر قد سُيِّست فيه بعض الفتاوى، فلا ندَّعي العصمة لأحد مهما بلغ قدرهُ.
وإنَّ في تلك الأيام الغابرة من العبر التي ينبغي أن يتمعَّنَها طالب العلم حقَّ التمعُّنِ في زمن اختلاف العلماء. فهي دروسٌ تُذكر للاستفادة ممَّا حصل، والعبرة ممَّا جرى، فنحمدُ الله تعالى على هذه النعمة التي نعيشها تحت رايةٍ واحدةٍ، وعلى اتفاق الفتوى في أصول الدين، واجتماع الكلمة. وطيَّب الله ثرى الملك عبدالعزيز وأنزل عليه في قبره من شآبيب رحمته.

***


([1]) العثمانيون وآل سعود في الأرشيف العثماني زكريا قورشن، ص210.
([2]) أمَّا الحُكَّام الذين سبقوه: فعبدالله لم يستجب لعرض والي بغداد الذي أراد  استمالته بالمال ليبعده عن تبعية حاكم مصر المتمثّل بالقائد خورشيد باشا في وسط الجزيرة في الوقت الذي تسوء فيه العلاقة بين الباب العالي ومحمد علي في مصر. [انظر نشأة إمارة آل رشيد للعثيمين ص216]. وأمَّا طلال الحاكم بعد والده كان على علاقات طيبة مع والي بغداد، وهو أول من استقبل تُجَّار العراق والشام والمدينة النبوية وأعطاهم مزايا رفيعة. وكان يأمر الخطباء بالدعاء للسلطان العثماني إلا أن ولاءه ليس كبندر معترفًا به. [انظر الرحالة الأوربيون: رحلة بلغريف ص 157و163، ورحلة غورماني ص 214، وإمارة آلرشيد في حائل لمحمد الزعارير ص155].
([3]) حكم محمد بن عبدالله بن رشيد لنجد 1289-1315هـ، للأستاذ حمد بن عبدالله العنقري، رسالة ماجستير عام 1425هـ، جامعة الملك سعود. غير منشورة (ص 149).
([4]) تاريخ الدولة السعودية الثانية (1256-1309هـ) لعبدالفتاح أبو علية.دار المريخ (ص187).
([5]) انظر رسالة الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن إلى الشيخ حمد بن عتيق في الدرر السنيَّة (8/ 391)، ورسالته إلى شيخ الحرم النبوي (14/185).
([6]) وحال الدولة في آخر عهدها ليس كحالها أول في عصورها المزدهرة بالفتوحات الإسلامية.
([7]) وهو الشيخ محمد بن إبراهيم بن عجلان، انظر ما قاله البسام في علماء نجد (5/469).
([8]) ولم يُقر الشيخ عبداللطيف حكم الشيخ حمد بن عتيق على ابن عجلان، انظر الدرر السنيَّة (8/368-374) وفيها ص370: والرجل (أي الشيخ حمد) وإن صدر منه بعض الخطأ في التعبير، فلا ينبغي معارضة من انتصر لله ولكتابه وذب عن دينه، وأغلظ في أمر الشرك والمشركين، على من تهاون أو رخص وأباح بعض شُعبه، وفتح باب وسائله وذرائعه القريبة المفضية إلى ظهوره وعلوه، ورفض التوحيد.
([9]) وقد ألفها بعد سؤال أحد الناس له: هل الدولة العثمانية كافرة؟. نقلاً عن الأصل المخطوط.
([10]) انظرها في الدرر السنية في المجلد الثامن، الطبعة السادسة، 1417هـ/1996م.
([11]) هو عبد الله بن علي بن عمرو الرشيد من الصمدة من الظفير، من أهل العلم ذكر البسام أنَّ معتقده سليم، إلا أنه من أعداء الدعوة في نجد. وردَّ عليه أهل العلم منهم سليمان بن سحمان في أربعة رسائل. كان ممَّن ألَّب على الملك عبد العزيز وعلماء الدعوة، قُتل سنة 1326هـ، انظر علماء نجد (4/324).
([12]) علماء نجد (4/326).
([13]) هو الشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر ولد في بريدة عام 1241هـ، وقرأ على علماء آل سليم وغيرهم، ورحل إلى الشام وأخذ عن علمائها، كان في أول أمره على وفاق مع علماء آل سليم ثم اختلف معهم. كان يُدرِّس كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، توفي 1329هـ في الكويت، علماء نجد (1/277).
([14]) في تقريضه لقصيدة ابن سحمان ورده على ابن بطي، نشرها أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري في مسائل من تاريخ الجزيرة العربية (ص60) وما بعدها. ط 4 دار الأصالة. وفي جامعة الملك سعود نسخة خطيَّة.
([15]) علق أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري عند هذه الكلمة في الحاشية بقوله: من هؤلاء ابن عمرو والشيخ إبراهيم بن جاسر رحمهما الله.
([16]) علق أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري عند هذه الكلمة في الحاشية بقوله: من هؤلاء آل سليم.
([17] ) والد السفير فوزان بن سابق آل فوزان. يذكر البسام في علماء نجد (4/326) أنه ليس من أهل العلم.
([18]) عن الأصل المخطوط.
([19]) هو الشيخ حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبدالوهاب (1266-1338هـ)، له فتوى مخطوطة من ورقتين على سائلٍ سأله عن بلد الزبير والكويت هل هي من بلاد الشرك أم لا؟.
([20]) يظهر لي من قراءة رسالة ابن عمرو وابن جاسر أن الأمير محمد بن رشيد أرسل أكثر من رسالة إلى المتخاصمين من علماء القصيم، ربما كانت نصحًا في أول الأمر ثم كانت تهديدًا.
([21]) رسالة ابن عمرو وابن جاسر مخطوطتان محفوظتان ضمن مجموع بستان الفوائد في العقائد والمراثي والفرائد لعبدالعزيز إبراهيم الدوسري في مكتبة الحرم المكي الشريف.
([22]) ما بين القوسين زيادة منّي ليست في الأصل المخطوط يقتضيها السياق.
([23]) عن أصلٍ مخطوط لدي.
([24] ) نُشِرَتْ في ديوانه المطبوع بالهند (ص75-76-77)، وانظر ديوان ابن سحمان تحقيق ابن عقيل الظاهري (2/319).
([25]) انظر رسالة الشيخ حمد بن عتيق سبيل النجاة والفكاك، وفتوى الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن في الدرر السنيّة (8/391)، وفتوى الشيخ عبدالله بن عبداللطيف (10/429).
([26]) انظر: الجذور التاريخية للعلمانية في تركيا المعاصرة، إبراهيم خليل العلاف، مجلة شؤون اجتماعية، الإمارات العربية المتحدة، السنة (15) العدد (60)، 1998م.
([27]) انظر الدرر السنية (14/185).
([28]) عبد الرحمن بن سليمان بن بطي من الوعاظ الذين يجوبون القرى في الدعوة إلى الله، وهو من الإخوان المتشددين في بعض المسائل كسنيَّةِ العمامة وحرمة لبس العقال، وكذا في مسائل هجر أصحاب المعاصي، وقد ردَّ عليه ابن سحمان، وكذا الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والحق أن ابن بطي ليس من أهل العلم، ولا ممن يرجع إلى أهل العلم، ومعركة السبلة عام 1347هـ كانت الحد الفاصل لتنطُّعِ الإخوان وبُعدِهم عن أهل العلم. مسائل من تاريخ الجزيرة (ص 58).
([29]) سبقت الإشارة إلى جزء من هذه الرسالة في اختلاف علماء القصيم، انظر مسائل من تاريخ الجزيرة (ص 60)، وردُّ ابن سحمان على ابن بطي انظره في ديوانه (4/458) تحقيق ابن عقيل الظاهري.
([30]) الأصل في مكتبة الشيخ صالح بن سالم آل بُنيَّان، وأبياتها ناقصة كما ترى.
([31]) في كتابه مسائل من تاريخ الجزيرة (ص 94).
([32]) انظر علماء نجد (4/333).
([33]) انظر حكم محمد العبدلله الرشيد لنجد للعنقري، ص 61. ذكر مِمَّا وصَّاهُ به عمُّه: 1- أن ينبذ العصبية القبلية فيعامل شمر كبقية القبائل. 2- ألاَّ يتعرض مبارك الصباح، فخالف هذه الوصية وحدثت معركة الصريف عام 1318هـ. 3- فتح البلاد لأهل القصيم لأنهم أهل تجارة، وآثار معركة الصريف جعلته يخالف ذلك. 4- ألا يتسامح مع البادية، وأن يشد وطأته عليهم، بخلاف الحاضرة.
([34]) أمَّا تكفيرهم للدولة من عدمه، فليسوا على رأيٍ واحد، إنما هم متفقون على سلامة منهج آل رشيد في التبعية.
([35]) وليس كما قال أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري في مسائل من تاريخ الجزيرة العربية (ص71) حيث قال:  "ويظهر أن ما حدث في حائل فيما بعد سنة 1329هـ إنما هو امتدادٌ لواقعة ابن سحمان مع ابن رشيد". وأقول مع معركة الصريف، لأنَّ انتصارهُ في هذه المعركة غيرت سياسة ابن رشيد مع حكام الأقاليم وعلماءها ونظرتهم له، وألَّبت القوى عليه.
([36]) قال الأستاذ سعد العفنان في (صالح السالم) ص18: "يقول الرواة إن الشيخ صالحًا السالم عندما صار علمًا من أعلام زمانه، وامتلأت الساحة بمريديه ومنافسيه، حاول المنافسون له أن يغروا به الأمير محمد بن ليقتله. لكن الأمير رَدَّ عليهم قائلاً: والله لو قتلته فلن يطهرني ماء الكوثر عند أهل نجد. ويقول الأستاذ فهد العريفي أن الأمير همَّ بإبعاد الشيخ إلى تيماء، فجاءت والدته شقراء تقول للأمير بعد أن قابلته ومعها يوسف العتيق: كيف ترسل ابني إلى تيماء، وهو الذي علَّم أولادكم وبناتكم القرآن والكتابة؟ فقال الأمير: يا شقراء ابنك يعترض علينا، وإذا تتعهدين ألاَّ يتهمنا بشيء فلا مانع، فقالت: نعم أكفله".
([37]) أوراق خاصة أمدني بها الشيخ يوسف ابن الشيخ عيسى الملاحي جزاه الله خيرًا.
([38]) وقد نُسبت هذه الأبيات إلى غيره.
([39]) القصيدة تبلغ سبعة عشر بيتًا، وليست خمسين بيتًا كما قال القاضي في الروضة (1/175).
([40]) وذكر الشيخ الصريري في بداية ردِّه أنَّ الأبيات نُسبت إلى عبدالرحمن بن عقلا من أهل القصيم، لكنَّه قال: " فلما رأيتها تحققتُ أنها من كلامه (أي الملاحي) لأنها خطه بقلمه، وغلب على ظني أنها لفظهُ بفمه ".
([41]) وهو الشيخ عبدالله بن مرعي رحمه الله، كما نصَّ عليه باسمه في الرد.
([42])  تبلغ القصيدة ستةً وثلاثين بيتًا، والرد يقع في أربع عشرة ورقة.
([43]) أي الشيخ صالح آل بُنيَّان رحمه الله.
([44]) تبلغ القصيدة ثلاثين بيتًا.
([45]) هذه القصيدة تفوق أربعين بيتًا، وآخرها ناقصٌ من النسخة التي عندي.
([46]) تبلغ القصيدة ثلاثةً وثلاثين ومائة بيت، نشرت في ديوانه (ص126) الطبعة الهندية.
([47]) تبلغ القصيدة ثمانية عشر ومائة بيتٍ.
([48]) تبلغ قصيدة الشيخ صالح سبعةً وعشرين ومائة بيتٍ، انظرها في ديوانه.
([49]) تبلغ هذه القصيدة تسعةً وثمانين بيتًا.
([50]) انظرها في ديوانه (ص131-150) الطبعة الهندية.
([51]) كأنَّ الشيخ سليمان بن سحمان في لاميته الثانية عرف هذا الرجل، لأنه في الأبيات سمَّى صاحبه وصديقه الشيخ حسن الحجي.
([52]) وفي هذه الرسالة ذِكْرُ قدوم عبدالله بن بسَّام على عبدالعزيز بن رشيد وتحريضه على طرد المشايخ الذين يخالفونه وأنهم خوارج، والرسالة تقع في 14 صفحة.
([53]) بل رجَّح ابنه الشيخ يوسف أنه كتبها في وقتٍ مبكِّرٍ من عمره. ووقت ولاية عبدالعزيز المتعب 1315هـ كان الشيخ عيسى في العقد الثالث من عمره.
([54]) في أول الرسالة بيَّن الشيخ عيسى سبب القصيدة، ووقَّتها تحديدًا في وقت إمارة متعب بن عبدالعزيز المتعب بعد مقتل أبيه. وأنَّها أرسلت إلى الشيخ صالح أولاً، وبعد الاختلاف في مسألة ثبوت عيد الفطر بشهادة أعرابيين بينه وبين الشيخ محمد الصريري تلك السنة، ذكر أنَّ الشيخ صالحًا أظهر تلك القصيدة للناس.
([55]) انظر الصفحة الأولى منها في الوثيقة رقم (150).
([56]) كما هي عباراته في اقتباسات الملاحي ليرد عليه، وربما يكون النثر هذا هو مقدمةٌ للقصيدة التي مطلعها وسبق الحدث عنها:  
رأيت الهوى يهدي الغويَّ إلى الزلل      ويعمي عن الإنصاف في القول والعمل
([57] ) انظر الصفحة الأولى منها في الوثيقة رقم (149).
([58]) هو الشيخ حمد بن فارس بن محمد بن فارس، من علماء الرياض، تولّى مناصبًا في زمن الإمام عبدالله بن فيصل والإمام عبدالرحمن بن فيصل والملك عبدالعزيز، تتلمذ عليه عدد كبير من طلبة العلم منهم الشيخ سليمان بن سحمان، توفي 1345هـ.
([59]) هذا الرد يقع في 36 صفحة بخط الملاحي المعروف، انظر الوثيقة رقم (149).
([60] ) أي الأبيات التي دارت عليها رحى القضية والتي مطلعها:
ألا قائلٌ لأهل علمٍ في الجبل     أجيبوا سؤالاً لسائلٍ لكم سأل
([61]) أي الشيخ سليمان بن سحمان كتب كتابًا للشيخ حمد بن فارس.
([62]) وهو شيءٌ لا يذكرهُ من تطرَّق لهذا الخلاف من المؤلفين كالقاضي في روضة الناظرين، وابن عقيل الظاهري في مسائل من تاريخ الجزيرة وغيرهم.
([63]) وانظر الدرر السنيَّة (9/ 289) الطبعة السادسة 1417هـ.
([64]) وهي بخط الشيخ عبدالعزيز ابن الشيخ عثمان بن حمد بن مضيان.
([65]) وذلك في رسالته المشهورة إلى عالم العراق السيد خير الدين نعمان الآلوسي.
([66]) يقول في مطلعها:
لك العزُّ والإقبال والفوز والهنا    يساعدك الإسعافُ فيمن تُحاربُ
انظر تاريخ ابن عيسى، دراسة وتحقيق د.أحمد بن عبدالعزيز البسَّام (5/1158و1159).
([67]) سعود الصالح السبهان كان السبب في اغتيال زامل السبهان، واحتل مكانته في الوصاية على حكم الأمير سعود بن عبدالعزيز بن رشيد، انظر تاريخ المملكة العربية السعودية للعثيمين [2/145].
([68] ) ولمعرفة وقوف ومساندة حاكم الجبل للدولة العثمانية، انظر: موقف إمارة حائل من الحرب العالمية الأولى كما صورته الوثائق البريطانية. مجلة الدارة العدد 2 السنة 9 عام 1404هـ 1983م.
([69]) في الوقت نفسه ازداد ضعف حكم الجبل بهزيمة الدولة العثمانية، ثم اغتيال سعود بن رشيد سنة 1337هـ. انظر العثيمين مصدر سابق [2/167].
([70]) الشريهة وآل صليط من عبدة من شمر، وآل سلمان وآل خمسان من سنجارة من شمّر.
([71]) انظر نصَّ الرسالة في الوثيقة رقم (9) وهو جزء يليه ردُّ ابن سحمان عليهم.
([72]) وقد جاء هذا الردُّ مع التقريظ في اثنين وعشرين صفحة، وذلك سنة 1339هـ.