حاشيةُ الشيخ عبد الوهاب بن فيروز على الروضِ المربع ونُسَخُها الخطية



 مقال منشور في صحيفة الجزيرة يوم الأحد 7 شعبان 1426هـ

في التاسع من شهر رجب هذا العام (1426هـ) اطلعت على نسخة خطية في دار الكُتُب القطرية مكتوبٌ عليها (حاشية على حاشية الزاد لعبد الوهاب بن محمد بن فيروز)، فظننت أنها حاشية الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن عبد الله بن فيروز الأحسائي الشهيرة على الروض المربع التي لها أكثر من نسخة خطية في نجد وغيرها وان العنوان لم يكن إلا سهواً من الناسخ، فطلبت تصويرها من الأخ المسؤول الشيخ بلال السويدي جزاه الله خيراً. وبعد مقارنة هذه النسخة بإحدى نسخ الحاشية الخطية تبين لي أنها ليست حاشية ابن فيروز على الروض، بل إنها ليست لابن فيروز نفسه، مما دعاني إلى كتابة هذا المقال عن هذه النسخة وعن حاشية ابن فيروز على الروض في ضوء النقاط الآتية:

الأولى: صاحب الحاشية هو الشيخ عبد الوهاب بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن فيروز بن محمد بن بسَّام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب الوهيبي التميمي النجدي ثم الأحسائي (1172هـ - 1203هـ) حنبلي فقيه أصولي، مات وهو في أول الثلاثين من عمره، وصنَّف تصانيف في الفقه والأصول والعربية، ذكر عنه ابن حميد في السحب الوابلة (2-682) شيئاً من ولعه بالمطالعة والنهمة في القراءة والتحصيل.
الثانية: مؤلفاته رحمه الله: 1- حاشية على شرح منتهى الإرادات للبهوتي (حاشية تحفة المستفيد - علماء - نجد - المدخل المفصل). 2- شرح عقود الجمان للمرُشدي (السحب - علماء نجد).
3-
الإرشاد إلى حصول الثواب بالزيادة على الأعداد. (مخطوطة علماء النجديين في الزبير. للشيخ صالح العسافي، أمدني بها الأخ الباحث الأستاذ علي بن سليمان المهيدب مشكوراً). 4- تعليق على التصريح للأزهري، شرح التوضيح لابن هشام (السحب - علماء نجد). 5- إبداء المجهود في جواب سؤال ابن داود أحد تلامذته حول التقليد (السحب الوابلة - علماء نجد - المدخل المفصل). 6- القول السديد في جواز التقليد (السحب الوابلة - علماء نجد - المدخل المفصل). 7- زوال اللَّبْس عمَّن أراد بيان ما يُمكن ان يُطلِعَ الله عليه أحداً من خلقه من الخمس (السحب الوابلة - علماء نجد). 8- شرح الإقناع (السحب الوابلة) ولم يذكره غيره ولعله يريد حاشية شرح المنتهى حيث لم يذكرها. 9- شرح جمع الجوامع في أصول الفقه (السحب الوابلة) لم يذكره غيره. 10- مسائل في الزيادة في الفاتحة في المانع للهلال، قال د. عبد الرحمن بن سليمان بن عثيمين في حاشيته على السحب الوابلة (2-683) تعليقاً على كتاب القول السديد: وجاء فيها: (واخبرني ملا عبد الله الغملاس ان عنده للشيخ عبد الوهاب بن فيروز رسائل خطية فقهية بخط بعض العلماء عن خط المؤلف، منها مسائل في الزيادة في الفاتحة في المانع للهلال.. ثم قال: وهذه لم يذكرها ابن حميد رحمه الله تعالى). 12- شرح الجوهر المكنون في البلاغة (السحب الوابلة - علماء نجد). 13- جواب حول مسألة وقوع الطلاق الثلاث المجموعة (العسافي). 14- مبحث المجتهد المذهبي والمجتهد المطلق (العسافي). 15- الفرق بين الكل والكلية والجزء والجزئية (العسافي). 16- مبحث في المهدي (العسافي). 17- جواب في مسألة جواز الحركة في الصلاة (العسافي). 18- إبدال الوقف للمصلحة ولو لم تتعطل منافعه (العسافي). 19- جواب مسألة عجن الطين بماء نجس (العسافي). 20- حاشية على الروض المربع وصل فيها المؤلف إلى باب الشركة ولم يكمله حيث اخترمته المنية قبل إتمامها، وهي المقصود من هذا المقال.
الثالثة: حاشية الشيخ ابن فيروز على الروض المربع شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع ذكرها ابن حميد في السحب الوابلة (2-683) بقوله (فمنها حاشية على شرح المقنع وصل فيها إلى الشركة وهي مفيدة جداً). والصحيح انها حاشية على شرح مختصر المقنع وليس شرح المقنع، فالزاد للحجاوي اختصر به المقنع لابن قدامة، والبهوتي في الروض المربع شرح الزاد، وابن فيروز على وضع الحاشية على الروض المربع. وذكرها أيضاً محمد آل عبد القادر الأنصاري الاحسائي في تحفة المستفيد بتاريخ الاحساء في القديم والجديد (2-633) بقوله (وله حاشية معتمدة على شرح المقنع موجودة في بلاد نجد) علق الشيخ ابن مانع - رحمه الله - قائلاً: (الحاشية التي بيد طلبة العلم من الحنابلة لعبد الوهاب بن محمد بن فيروز على شرح الزاد للشيخ منصور البهوتي وقد وصل فيها إلى باب الشركة). فصحيح ابن مانع لفظة المؤلف (على شرح المقنع) إلى (شرح الزاد). كما ذكر هذه الحاشية الشيخ عبد الله بن بسام - رحمه الله - في علماء نجد (5-63) بقوله (حاشية نفيسة على شرح الزاد، وصل فيها إلى الشركة وحين ألفها كان ابن عشرين سنة، وقد رأيت منها عدة نسخ وكنا نراجعها أثناء قراءتنا على شيخنا عبد الرحمن السعدي، فنجد فيها فوائد قيمة، وقد نقل فيها عن الشيخ زامل بن سلطان أحد قضاة الرياض). ويقوم على تحقيقها فضيلة الشيخ ناصر السلامة وهي على وشك الطباعة الآن وقد اعتمد على ثلاث نسخ. وهذه الحاشية لها نسخ خطية كثيرة، وهي كالآتي:
أ - نسخة خطية في المكتبة الوطنية بعنيزة.
ب - نسخة خطية في المكتبة العلمية الصالحية في عنيزة، اعتمد عليها الشيخ ناصر السلامة في تحقيقه.
ج - نسخة في مكتبة الشيخ عبد العزيز بن مرشد.
د - قطعة منها في دارة الملك عبد العزيز (محفوظات مكتبة السلمان)، في ثمانٍ وعشرين ورقة.
هـ - نسخة مصورة في جامعة أم القرى برقم (59) وهي مصورة من جامعة برنستون الأمريكية رقم 2817، اعتمد عليها الشيخ ناصر السلامة في تحقيقه.
و - نسخة في مكتبة الشيخ عبد الله العنقري وهي من محفوظات دارة الملك عبد العزيز الآن، وهذه النسخة فيها سقط يسير من البداية نسخت بعد 1240هـ، وفي أول هذه النسخة حاشية الشيخ عبد الله أبا بطين على شرح الزاد في أول العشرين ورقة الأولى، ثم تبدأ حاشية ابن فيروز من وسط باب التيمم. وهي نسخة مصححة ومقابلة وعليها تعليقات وبعض الاستدراكات، منها استدراك استدركه بعض طلبة الشيخ غنَّام بن محمد بن غنَّام النجدي (ت1240هـ) تلميذ والد الشيخ عبد الوهاب في مسألة صحة الحوالة في العلم بالمال وان يكون مما يثبت مثله في الذمة، قال الشيخ عبد الوهاب (ل302): (ظاهره ان ما يصح السَّلَم فيه من المعدود والمذروع ليس كذلك وهو مخالفٌ لما في المنتهى والإقناع..) كُتب في الهامش: (قوله وهو مخالفٌ لما في المنتهى والإقناع.. أقول ليس فيه مخالفة لهما لأنهما شرطا للحوالة كونه يصح السَّلَمُ فيه من مثليّ وغيره كمعدود ومذروع أي ينضبطان بالصفة كما ذكره المصنف في شرحه..) وفي آخره كتب (تأمل وتمهل والله أعلم أ.هـ شيخنا الشيخ غنام النجدي ثم الشامي الحنبلي - رحمه الله تعالى -). وقد يكون هذا الطالب نقلها من حاشية الشيخ غنَّام.
وكذلك من فوائد التعليق على هذه النسخة: في أول كتاب المناسك قال الشيخ عبد الوهاب بن فيروز: (قوله ونفقةُ المَحْرَمِ عليها، أي المرأة ولو كان زوجها فيجب عليها بقدر نفقة الحضر، وما زاد فعليها، وقلت ملغزاً في ذلك شعراً:
يا أيها الحبر والبدرُ المنير ومن
به طريقُ فعالِ الخير قد عُمرت
ما صورةٌ وجب الإنفاق دُمْتَ لنا
فيها لزوجٍ على زوجٍ له اعتبرت
ولم يكن وارثاً ذا حاجةٍ نسباً
والعقدُ باقٍ لدى الأشياخِ قد شهرت)

فكُتب على هامش الورقة: (قوله وقلتُ ملغزاً في ذلك أي وسائلاً بهذا اللُّغز صاحبه عبد الله الوطبان، فأجابه الشيخ عبد الله بهذه الأبيات وهي هذه:
الحمدُ للواحدِ المنان ما سُطرت
مسائلُ العلم بالتحقيق وانتشرت
ثم الصلاة على خير الورى نسباً
وآله وصحاب وشمسُهم قد ظهرت
وجوب إنفاقها للزوج حينَ غدت
بهِ وقد سافرت للحجِّ واعتمرت)

وفي تعليقات هذه النسخة فوائد أخرى يطول ذكرها. وقد اعتمد على هذه النسخة الشيخ ناصر السلامة - سلمه الله - في تحقيقه يسَّرَ الله خروجه. وذكر منصور بن عبد العزيز الرشيد في بحثٍ نشره: ان حاشية بن فيروز طبعت مع حاشية العنقري مع الروض في ثلاثة مجلدات على نفقة الأمير منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع - رحمه الله -، ورمزاً لها ب(ف) نسبة لابن فيروز، ثم أعاد طبعها صالح الراشد صاحب مكتبة الرياض الحديثة. وعن حاشية العنقري قال الشيخ بكر أبو زيد (المدخل المفصل 2-733): (وحقيقة هذه الحاشية أنها لتلميذه الفقيه القاضي الورع الشيخ محمد بن حسن الخيَّال ت بالرياض سنة 1410ه فقد كان يُحضر هذه النقولات وينتخبها من كتب المذهب ويثبتها بالتحشية على الروض المربع، ويعرضها على شيخه العنقري - رحمه الله - وكان كفيف البصر، فيقُرَّه عليه، وقد أبى الشيخ محمد الخيال من نسبتها إليه، فسارت بين طلبة العلم منسوبة لشيخه لعرضها عليه، وهذا من تواضع العلماء، مع أشياخهم وجزى الله الشيخين خير الجزاء وأوفاه. اخبرني بذلك ابن أخيه الشيخ الفقيه عبد المحسن بن عبد الله الخيال رئيس محاكم جدة).
الرابعة: بعد هذه الإلماحة القصيرة عن حاشية ابن فيروز يأتي الكلام على هذه النسخة القطرية المزعوم انها لابن فيروز. فهذه النسخة غير كاملة حيث بُدئت بكلام غير مفيد في مسألة طهورية الماء، وانتهت بأول أبواب الإجارة. وعليها تصحيحات وتعليقات يسيرة بخط غير خط النسخة، وقد قوبلت مع الأصل الذي كُتبت عليه كما يظهر من الدائرة المنقوطة ونسخت في السابع عشر من شهر رجب عام 1344هـ بقلم علي بن عبد الرحيم بخط النسخ الواضح الجيد في 117 ورقة.
وهي بعد التتبع والمطابقة: ليست إلا قطعة للمسائل التي دونها الشيخ العلامة أحمد بن محمد المنقور التميمي النجدي (ت1125هـ) عن شيخه الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان (ت1099هـ)، ومسائل ابن منقور طبعت بعنوان (الفواكه العديدة في المسائل المفيدة) وهي مسائل حررها عن شيخه ابن ذهلان كان يدونها بعد قيامه من الدرس، وأشار إلى فعله هذا بما فعله قبله الشيخ أحمد بن عطوة (ت 948هـ) مع شيخه الشيخ أحمد بن عبد الله العسكري (ت910هـ) حيث لم يأذن العسكري لابن عطوة الكتابة بعد الدرس فكان يكتب بعد الدرس، وأزاد فيها من أقوال العُلماء الحنابلة وغيرهم، يقول في مقدمته (وأضفت إلى ذلك ما وجدته من أجوبته، وما اطلعت عليه من أجوبة غيره من العلماء الأفاضل، وأبين قائله خروجا من تبعته، وأضفت كل شيء إلى ما يشابهه أو يقاربه..) وأشار الشيخ زهير الشاويش في وصفه النسخ الأربع التي طُبعت عليها الفواكه العديدة إلى صعوبات عديدة واجهتهم أثناء التحقيق فقال: (منها: اختلاف النسخ أحيانا، واستعمال المؤلف - رحمه الله تعالى - بعض الألفاظ والتعابير العامية المعروفة في بلده، وتوزع موضوعاته بحيث تجد بعضها مفرقا على أماكن متعددة). وأشار قبل ذلك إلى أن إحدى هذه النسخ فيها تقديم وتأخير، وتكرارٌ لبعض المباحث. ووصف نسخة أخرى بأنها ملخص للفواكه العديدة. ولما قارنت هذه النسخة بالفواكه العديدة في أكثر من موضع وباب إذا هي بمختصر للفواكه العديدة، ومسائل التقطت من كتاب ابن منقور، وفيها نقولات ليست من الباب الذي اختصره المختصر، غير ان عدم قراءتي للفواكه العديدة كاملا وبتمحُّص تجعلني لا أجزم بأن هذه النسخة فيها إضافات، وقد حاولت ان أبحث عن هذه النقولات كما في باب السواك مثلاً قريبا من الموضع الذي هي فيه في الفواكه إلا أني لم أجده. وبعد هذا يردُ على هذه النسخة احتمالان: الاحتمال الأول: ان هذه النسخة قطعة من ملخص الفواكه العديدة. إلا ان الملخص والمختصر غير معروف. الاحتمال الثاني: انها ملخص للفواكه العديدة وعليها بعض الإضافات والتحريرات والنقولات مما ليست في الفواكه العديدة وهو احتمال ضعيف، أوردته بسبب بعض النقولات التي لم أجدها في بحث يسير بالكتاب. وأما احتمال ان المختصِر هو ابن فيروز فهذا بعيد جدا لسببين: الأول: أن الذي أخطأ في العنوان بقوله (حاشية على حاشية الزاد) والكتاب نادراً ما يتطرق لمسائل الزاد، احتمالُ وقوعه في خطأ نسبة مؤلفه أقوى. الثاني: ما ذكره لي الشيخ ناصر السلامة - سلمه الله - وقد اطلع عليها من أن هذا ليس هو نفس عبد الوهاب ابن فيروز في النقل والتحرير، وهو قول وجيه ولا سيما انه محقق حاشيته. والله يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح