من مخرجات الاتجاه الفلسفي: نبذ العقل الوثوقي

1432هـ

من المخرجات الفلسفية التي نجدها عند التنويريين فكرة (الدوغمائية) والتي يقصد بها الجمود الفكري، ويُعبر عنها البعض بأنها التعصب لفكرةٍ ما. وتدور فكرة العقل الدوغمائي في تشخيص بناء العقل الإنساني عند التنويريين اليوم في نقطتين: 
1-      أنَّ العقل المتحجّر (الدوغمائي) هو العقل الوثوقي والذي أكثر أفكاره مسلَّمات موثوق بها.

2-      أنَّ العقل المتحجّر هو الذي يضع الآخرين المخالفين له- في سلة واحدة.

لذا كل تقليدي فهو دوغمائي، وكل واثق بمبادئه وثوابته فعقله عقلٌ دوغمائي.

ويختلط مع هذه النظرية والمبدأ صفات يتفق العقلاء على سوئها كالتعصُّب للرأي والاستبداد به ونحو ذلك، وهذا الاشتراك المعنوي يجعل العمومية في توصيف الأفكار والآراء غير عادلٍ في أحكام هذه النظرية.

وهذا التوصيف لهذه النظرية الذي نجده في كتابنا الصحفيين اليوم([1]) في استخدام شماعة الجمود الفكري والتقليدية في الأفكار خصوصًا في الأحكام الشرعية، يتضح عدم منطقيته على النحو الآتي:

1- أنهم يجعلون بهذا التعميم للنظرية- كل المصادر غير موثوق بها ! ولم يُحرروا أن هناك مصادر موثوقة وغير موثوقة. حتى يَسلموا من التناقض، وعلى كلامهم يلزم أني عندما أثق بالقصص التي ساقها القرآن أو المحكمات فيه أن يكون عقلي متحجرًا، وهكذا مع السنة النبوية وعمل الصحابة.

2- بعض هؤلاء يحمل شيئًا من التعقُّل والمنطقية عندما يستثني القرآن والسنة مما يعني أنهما عنده مصدر موثوق. لكنه يتناقض عندما يجعل فهمه لحُكم من الأحكام فيهما هو العقل الصحيح وفهم غيره لهذه الأحكام هو العقل الدوغمائي المتعصب التقليدي.

3- كما يلزم من كلام هؤلاء ألاَّ نثق بالسياسات والأنظمة المجتمعية المتفق عليها، كما لا نثق بالنظريات العلمية والحقائق التجريبية. وهذا هو مؤدّى النسبية والشك الديكارتي، اللتين هما في الحقيقة قلق فكري ونفسي.

وقد أصبحت هذه النظرية سيفًا مُصْلتًا على منهج السلف الصالح ( السلفية ) من قبل هؤلاء بحُكم أنها توصف بالتقليدية والجمود الفكري. وأعود على ما بدأت به من أنَّ هذه النظرية تحتاج إلى التطبيق: فمثلاً عند وصف عمل المسلمين الذين يتبركون ويسجدون إلى الأولياء والقبور وهي من أهم القضايا التي يتميز بها المنهج السلفي عن غيره من المناهج الإسلامية- بأنَّ هذا العمل شرك كما دلَّ عليه القرآن والسنة، هل يكون المسلم عندما يعتقد ويعمل بهذه المعلومة جامدًا فكريًا ومتحجرًا متعصبًا ؟!
وعلى غيرها فقِسْ مما يتبناه المنهج السلفي الذي هو تطبيق عملي للكتاب والسنة من قبل السلف الصالح = الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.


(1) انظر كمثال: جولة في العقل المتحجر، جريدة الوطن، العدد2448، الأربعاء27/5/1428هـ.