من مخرجات الاتجاه الفلسفي: عقلنة الخطاب الشرعي



1432هـ
عقلنة الخطاب الشرعي

الدعوة إلى عقلنة الخطاب الشرعي كي يُلائم ظروف الشباب الذي انفتح اليوم على ثقافات وأفكار جديدة من الأنفاس الفلسفية التي غزت واخترقت الخطاب الشرعي الذي يتخذ من الشريعة ركيزة أساسية.

فإنَّ من أبرز سمات المنهج الفلسفي اعتماده على العقل في كل تقرير معرفي.

وهذا معول هدم ومزلق كبير في ظل الدعوة المفتوحة لهذا المنهج بلا قيد ولا شرط، حتى وإن كان أصحاب هذه الدعوة يجعلون العقلنة مساندة للنقل؛ لأنَّ الضمان الموجود في النقل لا يوجد في العقل، والعقل لا يُدرك كل مناط جاء الحكم به، فليس كل حكمٍ في الشريعة تُعرف علَّته، ولو عرف العقل شيئًا فإنَّه متفاوت في التقدير والإدراك. ثم لو صلحت هذه الدعوة لبعض المسائل فليست صالحة للشريعة بأكملها، وعند التطبيق يتضح الأثر:

1- المقصود بعقلنة الخطاب الشرعي هو جعل الخطاب الشرعي معلولًا بالعقل فيما يُثبت وينفي. وإذا كان شباب اليوم (في ظل الشهوانية والمادية) أكثر ما يرتبطون بدينهم بالعبادات، فكيف يتم لهم التدليل العقلي أو إبداء الحكمة العقلية للصلوات الخمس؟ أو حبس النفس عن الطعام نهارًا شهرًا كاملاً؟ وغيرها من الأحكام.

2- كون الحكمة لا تنفكُّ عن الشريعة بأكملها لا يعني أن نجعل خطاب الشرع خطابًا عقليًا بأكمله يُقدَّم للناس هكذا.

ومعرفة علوِّ كعب علم المقاصد والقواعد الشريعة التي تنتجُ عنها دعوات التيسير كعموم البلوى وعسر الاحتراز والمشقة، وكذلك التعليل الموجود في الأحكام الشرعية، والتنصيص عليه من قبل أئمة الإسلام لا يُخرج لنا هذه النتيجة من قبل أصحاب هذه الدعوة المفتوحة بلا قيد ولا شرط.

3- عند الكلام عن العقل لابد من تحديد القدر الذي يتفق معه جميع العقلاء في كونه موجِّهًا لخطاب الشرع وإلا لتضاربت مدارك العقول في صحة هذا الخطاب. لذا كان إدراك العقل محدودًا بتحسين وتقبيح الأفعال، لكن أن يكون له متعلق في الثواب والعقاب فغير صحيح. لذا كانت هذه الدعوة مزلّة قدمٍ لمن يتبنَّاها.

4-  هل انفتاح الشباب اليوم على الثقافات الأخرى ورّث لديهم مشكلة فهم الدليل بحيث أن الدليل النقلي لو لم يصاحبه دليل عقلي لن يكون مقبولاً عند الشباب ؟؟ أم أنَّ المسألة هي مسايرة للاتجاه الفلسفي الذي نجده عند الثقافات الغربية؟ فالأمر لا يعدو أن يكون محاكاة ليس إلا.

5- أنَّ هذه الدعوة إذا كانت بسبب متعلَّقٍ خارجي وهو الثقافات الأخرى والاحتكاك بالآخر ( غير المسلم ) كان الأحرى والأولى أن تكون هذه الدعوة إنما هي لربط كل معقول بالمنقول وليس العكس. لكن لمَّا اتسمت هذه الدعوة بسماتٍ هي مشكلة بذاتها كفتح الذرائع؛ كان هذا المخرج لهذه الدعوة مخرجًا فلسفيًا في أصله.