لا حقيقة مطلقة !
1432هـ
هذه
النظرية المشهورة بـ ( نسبية الحقيقة ) من أخطر المخرجات التي يُروِّج لها أدعياء
التنوير في الإعلام، فمآلاتها ولوازمها لا تُبقي ولا تذر من الدين والآداب والسلوك
والتحسين والتقبيح شيئًا.
وهي
ذات جذور يونانية([1])، ثم تبنتها
الفلسفة الغربية الحديثة عبر الاتجاه البراجماتي القائم على أنَّ الحقيقة هي
النفعية. وتشترك هذه النظرية في مآلاتها مع
الشك عند ديكارت. وربط بينهما محمد عابد الجابري في نتيجة أخرى كما يقول: (
إن اعتماد الشك في التفكير الفلسفي ، والأخذ بنسبية الحقيقة : هو التسامح بعينه )([2]).
فهل
التسامح عند الجابري أن تجعل حقيقة ما في القرآن من ترغيب وترهيب وقصص وأوامر
ونواهي نسبيًا لكل أحد أن يُقدِّر هذه النسبة كيفما يشاء؟!
إنَّ
هذه النظريات المبطلة لكثير من حقائق القرآن والسنة عندما تكون فكرة علمية في علم
من العلوم كالفلسفة، ثم يُمنهجها بعض المسلمين كالجابري ونحوه بما لا يظهر منه
مصادمة للوحي وأن الشريعة تسع ذلك، فماذا يبقى مِن إضافةٍ سوى التطبيق لدى مَن في
قلبه زيغ ويريد الانعتاق من قيد النصوص ؟!
وهذه
النظرية تتكرر في مقالات بعض الكتاب تنظيرًا وتقريرًا، وهي للأسف ليست مما يستوعبه
العامة إلا عند النتائج، لكنَّ المقررين لها لا يذكرون النتائج المبنية على مثل
هذه النظرية.
والمولعون
بالثقافة الغربية وسلوكياتها يعتمدون على هذه النظرية ونظرية الشك الديكارتية
لأمرين:
1- هزُّ
المسلَّمات والثوابت التي هي عندهم أكبر عائق لنفوذ مفاهيم وسلوكيات الغرب في
الحياة.
2- أنها
نظرية فلسفية ومبدأ موضوع من قِبل أعلام وفلاسفة سابقين، فإذا رأى بعض المتعلمين
هذه المنهجية التي تستند إلى علم سابق لم يخترعه هؤلاء دخلت عليه الشبهة في قبول
هذه النظرية، فيقتنع هذا المتلقِّي بأنها نظرية علمية كسائر العلوم المتلقاة،
اكتسبت صفة العلم بكونها من علماء، وليست مخترعة من عند هؤلاء التنويريين.
وقد
لحق بعض من ينتسب للعلم الشرعي شيء من نَفَس النسبية في إحقاق بعض المذاهب
والمعتقدات بالنسبة لاعتقاد أصحابها. فيُقرِّر أنَّ صاحب هذا الاعتقاد –مادام يشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمد
رسول الله- فالحق تبعُ لاعتقاده، ثم ينزل أجر المجتهد على كل مسائل الدين لا
يُفرِّق فيها بين ما يحقُّ فيه الاجتهاد وما لا يحق.
كما
أنَّ هناك من توسَّع من هؤلاء في قضايا منهجية ينبني عليها مسائل ثابتة في الولاء
والبراء ومشابهة الكفار والتعامل مع المخالف حتى طالت الدعوة إلى التجديد والتغيير
في الخطاب الشرعي إلى فهم النصوص ومعانيها تبعًا لتغيُّر الزمان والمكان توسُّعًا
لا تستطيع أن تُبقي معه حقيقة ثابتة في هذه المسائل.
فصار
هؤلاء على قدرٍ مشتركٍ مع هذه النظرية وإن لم يمسُّوا فيها أصول الدين المتفق
عليها، لكن بعضها يكون لازمًا عليهم بالنقض.