من مخرجات الاتجاه الفلسفي: سلب القيم والحقائق



1432هـ
( سلب القِيَم والحقائق من المبادئ والأفكار) الاتجاه الوضعي المنطقي!


يُحاول بعض الحداثيين نزع القيمة من المبدأ الذي لا يروق له ولا يؤمن به، أو ذابت قيمته لديه بسبب الشهوة أو الشبهة التي دخلت عليه. وما حقيقة هذا إلا تطبيق عملي للوضعية المنطقية([1]) في الأفكار والمبادئ التي تجلب للإنسان الضرر وتنزعه من حقيقة وجوده.

فكثيرًا ما نرى من كتابنا التهوين والسخرية من بعض القيم التي نشأ عليها المجتمع والتي تؤدي -هذه القيم- إلى المحافظة على الحياء والخلق، ومراعاة الذوق العام الذي نشأ عليه المجتمع، كيف وأنَّ الشرع قد جاء بها، وكانت هي مقصدًا من مقاصده. فسلك هؤلاء مسلك أصحاب الفلسفة الوضعية المنطقية بالنظر إلى المادة باعتبارها الحقيقة الأحادية التي ينبني عليها كل شيء.

وخطورة نتائج هذا المنهج تستوجب تنزيه كتَّابنا المسلمين من إلزامات هذا المنهج الفاسد في الأمور اليقينية التي جاء بها الشرع كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر، مع أنَّ منهم من تجاوز هذا الحد بعبارات موهِمة لا يَعرِفُ حقيقة مآلها إمَّا جهلاً أو تقليدًا.

لكن النتيجة الظاهرة اليوم في الإعلام أنّ أدعياء التنوير ينزعون كثيرًا من القيم والمعاني من السلوكيات الظاهرة بآلة الفلسفة، وهذا المُخرج حقيقته حقيقة المنهج الوضعي في الفلسفة لدى أصحاب الفكر التنويري، كمن يُهوِّن قيمة ستر المرأة وصيانتها وعفافها، ووصل بأحدهم عبر أكبر الصحف الرسمية السعودية إلى أن يدَّعي أنَّ الشَرَف وهْمٌ كبَّل المرأة عقودًا من الزمن عن متطلباتها وحقوقها. ومثله من ينزع قيمة الهوية في اللباس والمظَهر بدافع الحرية وعدم حمل هذه القيم لأي معنى، وكذلك من يُجرِّد الأوامر والنواهي في التربية عن مضامينها النفسية والمعنوية لدى المتلقِّي.

وهؤلاء جميعًا يُبررون لهذه النتيجة بتبريرات قد تنطلي على قارئها ومستمعها، فمرة يكون مسلك التبرير بالحرية الشخصية ، ومرةً بأنَّ هذه القيم تَحُدُّ من الإبداع وإخراج الموهبة، وغيرها من التبريرات غير المنطقية.

لا يوجد مجتمع بشري خالٍ من الذوق العام ومراعاة الآداب والسلوكيات في مظاهر الحياة، وكل بيئة على حسب وضعها في المعتقد والبيئة.

والتنويريِّون لدينا يقيسون قياسًا فاسدًا على مجتمعات لا ترتبط بنا بأي رابط سوى الوجود البشري. ومن نقائضهم أن يستند بعضهم للدفاع عن نفسه بالذوق والاحترام عندما تكون سلاحًا له ضد من ينتقده أو حين تكون عليه الدائرة، وهذا من معائب الوضعية المنطقية([2]).
وهذا المُخرَج وهو: ( سلب القِيَم والحقائق من المبادئ والأفكار ) من أخطر المخرجات التي يسلكها أصحاب الفكر التنويري لسلب الناس أخلاقهم ومبادئهم ومقوِّمات السلوك البشري الفطري، وما هذا المخرج في الأصل إلا نتيجة من نتائج الاتجاه الفلسفي([3]).
قد يستيقظ بعض أصحاب هذا المنهج بعد أن يرى ذوبان الهوية وتآكل القيم في المجتمع، فيعود لإحياء هذه القِيَم بطريقة أخرى .. وفي الدول العربية تجارب كثيرة لا يريد هؤلاء أن يستفيدوا منها، ولا لغيرهم أن يتأثروا بها.


 (1) الوضعية المنطقية: منهج فلسفي يقوم على تحليل منطقي للقيم والمعاني وإفراغها من محتواها التي تحمله، وردها إلى القضايا الأولية. انظر الوضعية المنطقية في فكر زكي نجيب محمود (ص 30-32).
(1) التفكير الفلسفي الإسلامي، سليمان دنيا ( ص 44).
(2) من اللطائف أنَّ الدكتور سليمان دنيا عندما تكلَّم عن المنهج الوضعي المنطقي في الفلسفة في كتابه ( التفكير الفلسفي الإسلامي) ص34 جعل في الفهرس هذا العنوان (وجه الشبه بين الفلسفة الوضعية وما جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون) ثم نقل هذا النقل : ( لقد عرفت الإنسانية خلال تاريخها الطويل، شذوذًا في الفكر يولع بكل غريب تافهٍ من القول، إمَّا لقصور مستحكم أو قصدًا إلى تضليل البشرية. جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون الذي يرسم السياسة العالمية لليهود ما يأتي: يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا. إنّ فرويد منّا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غريزة الشباب، وعندئذ تنهار أخلاقه).