1432هـ
اتجاه البشرية (الإنسان
أولاً وآخرًا)
هناك
فكرة يتفق عليها معظم الفلاسفة الغربيين باختلاف نظرياتهم الفلسفية؛ ألا وهي أن الإنسان
مرَّ بمرحلة تعلّق فيها بالإله، وكانت جُلُّ تصرفاته من أجل الله. بعضهم جعلها
فكرة مخترعة، وبعضهم جعلها نتاجًا للبراهين الكونية .. المهم أنَّ هؤلاء يُقررون
أنَّ الإنسان بتعامله مع الطبيعة تطور شيئًا فشيئًا وفي كل مرة ينعتق من فكرة
التعلق بالإله والخوف منه. ويرى أهل الفلسفة المحضة من المسلمين أنَّ الرسل فاضت نفوسهم بالصفاء والزكاء
فجعلوا من تخوُّف البشر وسيلة لتهذيب النفس البشرية، وإلا ليس هناك معاد ولا جزاء
بعد الموت([1]).
يهمنا
في هذه الفكرة هي النظرية التي يَنظر إليها اليوم بعضُ الكتاب والمفكرين المسلمين الذين
يميلون ميلاً شديدًا إلى الفلسفة الغربية بأي ثمن وبأي نتيجة ، حيث سُطِّرت في
صحفنا العربية مقالات تستشرف المستقبل الإنساني والانعتاق من الفكر الديني. فكما
أنَّ الغرب عاش هذه الحقبة مع النصرانية وانتهى منها، فإننا – على رأيهم- بدأنا نعيش هذه المرحلة، ومن
البراهين التي برهنوا عليها في ذلك هذه الثورات العربية
التي هي مجرى تاريخي متطور لحركة الفكر عند المسلمين ، فهي ليست إلا منعطفًا مهمًا في تقدم البشرية إلى
الوضعية البشرية والتمحور حول الذات وغرائزها ومتطلباتها، ورمي كل الأوهام
والأساطير إلى التاريخ الماضي.
وعند
التطبيق العملي لهذه النظرية وهذا المُخرج التنويري – لديهم- نجد أنَّ الأوهام والأساطير ليست محصورة
عندهم على العادات أو العصبيات الموروثة أو المكتسبة بل تشمل حتى الأحكام الشرعية
التي لا تتماها مع زماننا هذا الذي بلغ من العلم ما يُمكن أن نتجاوز به كثيرًا من
الأحكام الشرعية – حسب تحريرهم-:
كمسائل علم الفلك والفضاء، والطب ( كتحديد الجنين مثلاً )، والسحر والعين ونحوها. ثم
التدرج إلى مسائل أكبر يكون فيها طعن بأصل الرسالة كما وصل ببعضهم أن يُقرر غياب الوعي والفهم للإنسانية في زمن النبوة وصدر
الإسلام في مفهوم الجهاد بأنه استرقاق بشري في الفهم الحديث([2]).
هذا
التطبيق كفيل بهدم أصول الشريعة لو أردت التفصيل والسيْر معه إلى النهاية. وليس بالضرورة أن يصل النقاش إلى
المسائل التي ناقشها أرسطو وابن سينا.
وهذا
المنهج الفلسفي الذي يُطرح على أنه فكر تنويري ؛ كم يحمل في نفسه معول هدم للدين
بكلمات برّاقة تسرق لبَّ من هو مأخوذ بمفهوم الإصلاح والتجديد والتغيير ومواكبة
العصر، وغفل عن أهم عوامل الإصلاح الفكري وغيره هو قراءة النتائج ومآلات الدعاوى.