من مخرجات الاتجاه الفلسفي: الدعوة إلى التغيير المطلق



1432هـ
 الدعوة إلى التغيير المطلق
دعوة  اتسم بها أصحاب الخطاب الحداثي -المرتكز على المخرجات الفلسفية-، دعوة اتخذوها في المناهج والأفكار الإسلامية.
 والذي يخرم هذه الدعوات:

1- عدم الحدِّ الجامع المانع لها. والاختلاف في التعريف والمفهوم ينبني عليه الاختلاف في الأمثلة والأقيسة والنتائج.

2- الإطلاق في مفهوم التغيير عند التطبيق؛ بلا قيد ولا شرط ولا ضابطٍ يجعل العقلاء يتفقون على الدائرة التي ينبغي ألا يخرج منها هذا التغيير.

3- تحميل ما يحدث من أخطاء وانحرافات في التيارات الفكرية وشخوصها على فشل الخطاب السائد عند العلماء وطلبة علم الشريعة وعدم قدرته على إيصال معاني الشريعة ومقاصدها وجعله متناولاً للجميع.

4- اتخاذ أسلوب المواجهة المركزة مع استشكالات تَرِدُ عليهم في فهم النصوص أو مع أخطاء منهجية فردية يرتكبها بعض طلبة العلم وفتحها أمام الرأي العام، دون النظر إلى الجانب الآخر من الأخطاء التي هي أشد تأثيرًا وسلبًا على الرأي العام.

وبما أنَّ التغيير من المخرجات الفلسفية التي تقتضيها نسبية الحقيقة والشك في الحقائق وخضوع كل قيمة إلى النقد، فإنّه قد يختلط هذا بالتغيير الذي يعنيه أصحاب التوجه الشرعي، وأهمُّ جانب في هذا المصطلح الواسع يتم تناوله هو جانب الفتوى، الذي يُبنى عليها الحلال والحرام.

وتغيُّر الفتوى حسب الزمان والمكان معتبرٌ في مقاصد الشريعة لبنائها على مصالح العباد في المعاش والمعاد([1])، لكن عند التطبيق نجد أنَّ أصحاب هذه الدعوة يجعلون في تطبيقاتها ما هو على خلاف أصول تطبيقات المتقدمين من الأئمة. فنجدُ اليوم من يُطلق مفهوم التغيير في الفتاوى إطلاقًا عامًّا لا يمكن أن يفهم معه المتلقِّي العامي إلا أن يكون هذا الذي يمتنع عنه من الحرمة حلالاً يومًا ما أو أن يكون المكروه معروفًا في زمنٍ قادم، وهذا باب واسع لا ينضبط به تقرير هذه الدعوة في ظل احتكاك الشباب اليوم بالغرب احتكاكًا واسعًا ومباشرًا في أبواب: التشبُّه والموالاة والأنظمة السياسية علاوة على السلوكيات والأخلاق.

بينما نجد التطبيق عند المتقدمين في تغير الفتوى فيما نصُّوا عليه هو في درجات الإنكار وأيمان الطلاق والعتاق وأثر الألفاظ الصريحة والمكنونة على العمل والنية ونحوها([2]).
وعند المقارنة بين هذين التطبيقين في جانب تغير الفتوى نجد البون الشاسع بين ما يريده المتقدمون وأصحاب هذه الدعوة من المتأخرين.

ومما يعيب على أصحاب هذه الدعوة أنَّ أول الفرحين بها هم أصحاب الشهوات والشبهات الذين لا يفتأون في كل مناسبة وغير مناسبة عن مناكفة العلماء في المسائل المعاصرة إسقاطًا وسخرية وتسفيهًا للأحكام، وتشغيبًا على العامة.

كما أنَّه في ظل ارتفاع درجة الزندقة والتمرُّد على الشريعة في الإعلام العربي عامة فإنَّه يزداد ارتفاع صوت هذه الدعوة وتوجيهها إلى العلماء وطلبتهم لومًا وعتابًا، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى دعوات ومناهج تقاوم هذا السيل الجارف من الأفكار المنحرفة التي دخلت على المجتمع من أبواب شتى: الابتعاث، الإعلام، السفر السياحي للغرب، الحاجة للأنظمة السياسية الغربية ...

أخيرًا إنَّ مناقشة هذا المُخرج مع أصحاب هذه الدعوة ممن يحملون نفَسًا شرعيًا ليس إبطالاً لهذه الدعوة من أصلها، بل إنَّ الأمر يحتاج إلى ضبط وتقنين لمثل هذه الدعوات التجديدية في الخطاب الشرعي، كي يُحققوا الهدف المنشود، ويراعوا حرمة الشريعة كما يراعوا حرمة الإنسان ومتغيرات الزمن التي دفعتهم إلى هذه الدعوة.

كما أنَّه على أصحاب هذه الدعوة أن يفيقوا إلى أمرٍ مهم يمسُّ جانبهم الأُخْروي؛ وهو أنَّهم قد يكونوا كما كان بعضهم- مطيَّةً يركبها شهوانيوا العصر وحجَّةً يستشهد بها أرباب الأهواء إلى غاياتهم التي قطعًا يختلفون معهم فيها. فكم من مقالة فيها حق وباطل أصبحت بنتيجتها باطلاً محضًا.


(1) أعلام الموقعين (3/3).
(2) الفروق للقرافي (1/321)، وانظر (3/321، 326).